+ A
A -
حقيقة، يجد اليسار الفلسطيني نفسه اليوم، أسير تراثه من الأدبيات ذات الطابع الإنشائي في غالبيتها، يُعيد إنتاج الثقافة والسياسة بتعابير متخصصة من أرشيف بالٍ لمستهلكي الجمل اللفظية، بثقافة وسياسة تطغى عليها تعاليم غاية في الجمود (الدوغمائية)، فتحولت الأيديولوجيا التي انتسب إليها اليسار إلى مجرد ألفاظ سطحية. عدا عن المشغالات الداخلية بين فصائل اليسار بعضها ببعض حيث المماحكات النظرية التي استنزفت اليسار في سجالات لم تستطع أن تعدو به إلى الأمام ولو بخطوات السلحفاة، فبقي بعض اليسار من التنظيمات والأشخاص في الساحة الفلسطينية في خانة الذين يصعب تصنيفهم أو تمييزهم، حيث اختاروا المنطقة الرمادية تحت عناوين محشوة بالغوغائية ولغة الديماغوجيا السياسية، والتنظيمية الداخلية، متخذين عادة النفاق السياسي كطريق، لا يعرف الضوابط.
كما بقي اليسار الفلسطيني بشكل عام وبمكوّناته المختلفة على حدّ سواء، يعيش حالة من الإحباط المهيمن الذي ترافق مع تخبط تنظيمي وفكري وعملاني على جميع الصعد، وبالرغم من أن اليسار في العالم ككل قد تخطى حالة التقهقر التي واجهته مع انهيار وتفكك حلف وارسو والاتحاد السوفياتي، واستطاع تجديد نفسه وأخذ زمام المبادرة في بلاده كما هو حال الحركة الزاباتية في المكسيك أو الحركات ذات النزعة البوليفارية في فنزويلا وبوليفيا، إلا أن هذا التجديد لم يجد صدى فعلياً له في ساحتنا الفلسطينية، بل وبقي اليسار الفلسطيني متمسكاً بمقولات مركزية ذات طابع دوغمائي.
وفي هذا، إن اليسار الفلسطيني، وبالتشوهات التي شابت سياساته وبرامجه مع انقساماته المتتالية، يتحمل مسؤولية مهمة في ولادة المظاهر السلبية في الحالة الفلسطينية.
بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
19/09/2018
1894