+ A
A -
خطوة مهمة وجريئة اتخذها البرلمان ومجلس الوزراء الإسباني أخيرا، تقضي بإزالة آثار ضريح الديكتاتور الشهير فرانشيسكو فرانكو الذي حكم إسبانيا بالنار والحديد، عقب انقلابه على الحكومة الديمقراطية الاشتركية مع بداية الحرب الأهلية الإسبانية عام 1939-1936، دفن فرانكو حين وفاته عام 1975 في كنيسة سميت لاحقا بوادي الشهداء، وهي تشبه إلى حد ما مقبرة العظماء في باريس،
أما الهدف من إزالة آثار الضريح ونقل الرفات إلى مكان آخر، فهو تحويل المكان إلى رمز للمصالحة الوطنية، التي يمثل فرانكو كل ما هو مضاد لها، إذ حكم فرانكو إسبانيا بقبضة من نار، مدعوما من قبل أكثر الفاشيين الأورببين سطوة وإجراما، هتلر وموسليني، هذه القبضة العسكرية الاستبدادية التي أغرقت البلاد في حرب أهلية دموية استمرت طويلا، استطاع فرانكو خلالها تحويل إسبانيا إلى ديكتاتورية فاشية لمدة ما يقارب الثلاثين عاما، لم تهدأ خلالها الحركة الشعبية في إسبانيا ضد الديكتاتور، الذي استطاع الفتك بكل معارضيه، لتصبح المرحلة الفرانكونية علامة في التاريخ البشري على إجرام الدولة ضد مواطنيها.
لم تخل مرحلة فرانكو، كمثل كل الديكتاتوريات والفاشيات في العالم، من انقسام مثقفي ومبدعي إسبانيا حولها، فبينما كان الفنان الإسباني الشهير، الذي تحول لاحقا إلى أحد أغلى فناني العالم، خوان ميرو داعما لفرانكو ومناهضا للحركة الشعبية ضده، أعدمت قوات فرانكو الشاعر والمسرحي الإسباني الشهير فرديريك غارثيا لوركا، الذي يعتبر أحد رموز النضال الشيوعي الأممي ضد الفاشية والاستبداد العسكري المتمثل بمثلث الطغيان: هتلر وموسوليني وفرانكو، وظل هذا الانقسام مثار جدل واسع حتى يومنا هذا، إذ ثمة سؤال يطرح بشكل دائم «كيف نستطيع التفريق بين مواقف المبدع والمثقف السياسية والأخلاقية وبين الإعجاب بمنجزه الإبداعي والثقافي والفكري، وكيف سيحاكم التاريخ من وقف مع الديكتاتوريات ضد الشعوب؟! غير أنه على مايظهر من تجارب الزمن، أن التاريخ يملك خاصية التفريق والحيادية في شأن كهذا، ويعطي للإبداع حقه الكامل بغض النظر عن موقف المبدع السياسي في لحظة زمنية ما، إذ أن حركة الزمن على مايبدو قادرة على إضفاء الموضوعية في جدلية العلاقة بين السياسي والإبداعي، خصوصا أن الزمن، أيضا، يغير في الرؤية السياسية للأحداث السابقة تاريخيا في كثير من الأحيان، هذه الجدلية تتضح حاليا بشكل جلي في موقف المثقفين والمبدعين من الربيع العربي، ومن الثورة السورية بشكل خاص، المفارقة في الحالة العربية والسورية، أن مثقفي ومبدعي اليسار، الذين يعتبرون لوركا أيقونة ورمزا للنضال العالمي، يقفون في صف الأنظمة العربية، ونظام الأسد تحديدا، والذي هو امتداد بنيوي عميق للفاشية العالمية وللعقلية الفرانكونية الأمنية العسكرية الاستبدادية، فإذا كانت الفاشية قد جاءت في لحظة زمنية مقطوعة من التاريخ وفي مرحلة حروب عالمية كبيرة، جعلت المعاصرين لها يتخبطون في فهم ما يحدث، فإن الأنظمة الحالية كما قلنا لم تأت من فراغ وإنما هي بنات تلك المرحلة بامتياز، ولكن مع ظروف ومتغيرات دولية عظيمة حولت بلدان الفاشية والنازية إلى أمثلة عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، فلا يمكن وضع الأعذار القديمة للوقوف مع أنظمة الإجرام العربية، السبب الوحيد، إن أحسنا النوايا، هو الخوف من التغيير والتعالي على العامة لصالح النخب، وهو دور مغاير لما يجب أن تكون عليه الثقافة والإبداع.
وفي العودة إلى قرار البرلمان الإسباني حول نقل رفات فرانكو من مكانه، فإن هذا يؤكد أن الثورات الكبرى والتغيير الجذري يحتاج أزمنة طويلة كي ينجز، أزمنة وتضحيات ودماء وقهر وتشرد ومرور بمراحل عديدة، الثورة الإسبانية بكل مراحلها دليل على ذلك، وربما قرار نقل الرفات يعطي عبرة للطغاة الحاليين، أن ما تعتقدونه انتصارا ليس بالحقيقة سوى لحظة زمنية واحدة، وأن التاريخ يعرف تماما كيف يضع من مر فيه في أمكنتهم الصحيحة.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
18/09/2018
2500