+ A
A -
- 1 -
في جلسة لي مع صديق أقام لأكثر من عامين بالصين مكنته من معرفة طبائع ذلك المجتمع وخصائصه السلوكية، حدثني عن سر نجاح الصين وشفرة تميزها الاقتصادي. قال إنهم بارعون في القيام بالأعمال الجماعية لأن التنشئة والتكوين تعزز فيهم منذ الطفولة سلوك العمل الجماعي.
معظم ألعاب الأطفال جماعية وليست فردية، كل طفل في اللعبة له دور وواجب محدد، صغر أم كبر.
الجميع يعملون لتحقيق هدف مشترك والوصول إلى نتيجة واحدة تكون ذروتها تتويجاً لمجهوداتهم.
في تلك الألعاب قد يكون واجب طفل القيام بدور صغير جداً في ثوانٍٍ خاطفة ولكنه مهم في المحصلة النهائية، ولا يتحقق النجاح بدونه.
أكثر ما أعجبني في حديث الصديق إشارته لمفارقة طريفة وهي أن لعبة الكراسي التي مارسناها في المدارس والأحياء، توجد لها نسخة صينية مغايرة.
- 2 -
لعبة الكراسي في النسخة السودانية- وربما العربية- قائمة على وجود مقعد ناقص، ومن لا يجد مقعداً له أثناء المنافسة عليه المغادرة مهزوماً.
في النسخة الصينية نعم هنالك مقعد ناقص في اللعبة ولكن مناط النجاح أن يجلس الجميع دون أن يضطر أحد للوقوف أو السقوط.
الفكرة الأساسية أن روح العمل الجماعي المنتج يؤسس لها منذ وقت باكر، لتؤتي حصادها في الكبر نجاحات وتسامحاً وتعاوناً.
لعبة الكراسي في نسختنا ترسخ الأنانية وحب الذات والاستئثار بالنجاح لمصلحة الفرد. أما لعبة الكراسي في النسخة الصينية تعزز ثقافة التسامح وإيجاد حيز للآخر رغم محدودية الفرص.
- 3 -
أغلب أنشطتنا في الوطن العربي تنتهي إلى فشل وخيبة، لضعف الحس الجماعي وتعاظم تقدير الذات. أحزابنا تنقسم على نفسها عدة مرات لأتفه الأسباب، شراكاتنا التجارية غير قابلة للاستمرار حتى داخل الأسرة الواحدة، يفضلون الفشل الفردي على النجاح المشترك.
حينما سأل المحاور علي الظفيري بقناة الجزيرة، مهاتير محمد عن محاولات بعض الدول الإسلامية الاستفادة من التجربة الماليزية؛ أجاب بابتسامة جمعت التعاطف مع السخرية
قال إن عدداً كبيراً من المسؤولين السودانيين أرادوا نقل التجربة الماليزية إلى بلادهم، ولكن مثل هذه المحاولات تبوء بالفشل لاختلاف التكوين الثقافي للشعوب.
- 4 -
في حوار آخر أجراه الدكتور خالد التجاني مع الزعيم الماليزي اعتبر أن نهوض اليابان وكوريا الجنوبية، اللتين استلهمت منهما ماليزيا نموذجها، يعود إلى أن المنظومة الأخلاقية جزء أساسي من المكون الثقافي لتلك المجتمعات.
ومن أسباب تميزها ذلك الإحساس الذاتي العميق بالعار، عندما يشعر المرء منهم بالتقصير في أداء واجبه، أو بارتكابه شيئاً خاطئاً، وأن الإحساس المرير قد يقوده إلى أن يقتل نفسه للتخلص من العار الذي يحس به.
ويضيف مهاتير «لذلك يحرصون على فعل الأمر الصحيح، وأن يقدم المرء أفضل ما عنده، ونتيجة مجموع عمل المجتمع الشديد الحساسية من عار التقصير هو أنه يصب في النهاية في صالح ازدهار البلد، فالخشية من أن يؤدي التقصير إلى تصنيع منتجات متدنية الكفاءة إلى جلب العار إلى البلد بكاملها تقود إلى التفاني في العمل، يخشى الجندي أو العامل من مواجهة المجتمع، وحتى زوجته أو أسرته الصغيرة، إذا قصر في أدائه، وتلك ذروة في القيم الأخلاقية عملت على إلهام الماليزيين للتعلم منها، صحيح أن ذلك ليس أمراً سهلاً، ولكن تلك هي مهمة القائد ودوره».
-أخيراً-
نعاني في الوطن العربي كثيراً من العلل التي تُقعِد بنا عن النهوض وتُثقل خطانا عن التقدم نحو الأمام، مجتمعين على هدف مشترك،
يختلف الحُكَّام وأنظمة الحكم وتتعدد التجارب والمحصلة النهائية واحدة، متنافسون مجهدون وكراسٍ محطمة.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
19/08/2018
1754