+ A
A -

هذا هو الخيار العملي والواقعي المُلبِّي لمصلحة الدولتين، وما دون ذلك عبثٌ ومُلاهاةٌ ومُطاردة للسراب.
في زمنٍ وجيزٍ وبكفاءةٍ سياسيةٍ عالية أشرف عليها السيد الرئيس عمر البشير، أنجزَت الخرطومُ ما عجِزَ عن تحقيقه آخرون، ظنُّوا في أنفسهم حنكةً ودهاء وعلو شأن.
أثبتت الأيام والتجارب، أن السودان يملك كثيراً من الأوراق والمفاتيح، التي تُؤهِّله للإسهام في تحقيق الاستقرار بدولة الجنوب، وفي دولٍ أُخرى بالإقليم.
- 2 -
بعد الانفصال، سيطرت رؤية سالبة في الشمال والجنوب، مفادُها أن كُلَّ دولة ترى في استقرار الدولة الأُخرى ضرراً سيُحيق بها، إن لم يكن اليوم فغداً القريب.
الخرطوم كانت تجدُ في استقرار جوبا تهديداً لها، وتظنُّ أن جوبا إذا وجدت الاستقرار والرخاء، فلن تُفكِّر إلا في إقلاق مضاجع جارها الشمالي ولو على نظرية سهر الدجاج.
وجوبا بدعمها لحركات التمرُّد في النيل الأزرق وجبال النوبة، تُريد أن تحمي نفسها من الخرطوم بحاجزٍ ناريٍّ سميك، وهذا ما عبَّرَ عنه سلفاكير في أيام الانفصال الأولى في أحد اجتماعاته مع جنوده بقاعدة بلفام.
فكانت علاقة ما بعد الانفصال قائمةً على تبادل الأذى، لا تبادل المنافع، الابتسامات نهاراً والخناجر ليلاً.
- 3 -
في استضافة لي على برنامج حصاد الجزيرة المسائي، مع أخٍ من دولة جنوب السودان، كان يُكرِّر أن الخرطوم حريصة على تحقيق السلام في دولة الجنوب، لأنها طامعةٌ في بتروله!
الحقيقة التي يجب أن تُقال بصراحة ودون مواربة، أن للسودان مصلحة لا مطمع في تحقيق السلام بدولة الجنوب وفي استمرار تدفُّق النفط.
ليس هناك ما يُخجل أو يعيب أن تكون للسودان مصلحة في ذلك، فمن الأفضل والأسلم أن تُبنى علاقات الدولة على المصالح المُباشرة والواضحة، دون تغوُّل أو جور على حقوق الآخرين.
يجب التحرُّر من إرث بناء العلاقات على العواطف والمُجاملات أو المكائد والمؤامرات.
- 4 -
أثبتت التجارب المُماثلة، أن علاقات الدول تظلُّ محكومةً بالنجاح حسب رسوخ المصالح المشتركة بينها، لا المشاعر والذكريات.
ما كان لإثيوبيا وأريتريا أن يتقاربا بعد حرب وقطيعة استمرَّت عشرين عاماً، لولا صعود لغة المصالح وتراجع مشاعر العداء.
البترول الذي تسبب بنسبة كبيرة في توسيع شقَّة الخلاف بين الشمال والجنوب، إلى حدِّ الانفصال، هو الآن ما يُقرِّب بينهما على قاعدة المصلحة المُشتركة.
لا داعي للحديث عن عودة الوحدة الآن.. تحدَّث عنها الساسة كثيراً، وكتب المُفكِّرون وقرأ المُثقَّفون في وقتٍ سابق، ولم نَجْنِ من ذلك سوى الضغائن والخراب.
-أخيراً-
دعوا الاقتصاد يقول كلمته؛ فقد نكتشف في يوم ما، أن أنبوب البترول هو الشريان الوحيد الذي سيُعيد للوحدة نبض الحياة.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
14/08/2018
1899