+ A
A -
كتبت في هذه المساحة، في يناير الماضي، أنني أكاد أعرف مصير، القاضي، هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، أعلى جهاز رقابي في مصر منذ أعلن عن حجم الفساد في البلاد، واختصار أزمة البلاد والعباد في اسم الرجل، الذي تم عزله، ويمهد الآن لسجنه.
ليس ذلك ادعاءً للحكمة بأثر رجعي، فكان مما قلته أيضاً، أن هذه المعرفة، مرجعها ودليلها، ما أسميته طريقة «التحفيل» الفضائي، على الرجل. ذلك أن الفضائيات المصرية، نصبت «احتفالات» أقل ما توصف به أنها سخيفة، على رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، ورقم الستمائة مليار جنيه، الذي أعلنه كحصيلة لفاتورة الفساد في البلاد، على مدار عدة أعوام، كما يقتضي صميم عمله، بل ويوجبه عليه الدستور.
القضية بالنسبة لي ليست في شخص المستشار هشام جنينة ولا تقريره، الذي اكتفت الدولة، وإعلامها المستقل، بالتشكيك والطعن فيه، وإنما في تلك الرسالة، التي أتصور أنها وصلت للجميع، والتي تقول، إن الحديث عن الفساد، لن يجني منه المتحدث به، إلا العزل والمثول أمام القضاء بتهم يحار المرء كيف توجه إلى رئيس جهاز رقابي، وهو الأعلى في الدولة.
إذن هي رسالة واضحة، بالامتناع عن الحديث بشأن الفساد، غير أن المرسل فاته أن رسالته وإن كان تأثيرها سيكون قوياً وعنيفاً في الداخل، باعتبار أن من استطاع عزل، وربما سجن (جنينة أحيل إلى محاكمة عاجلة بتهمة تضخيم أرقام الفساد ما من شأنه تعريض السلم العام للخطر وإضعاف هيبة الدولة!) رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، فعزل وسجن من هم دون ذلك أسهل، سواء كانوا من العاملين بالأجهزة الرقابية، أو الإعلام، أو المهتمين بالشأن العام، لكن تقارير المؤسسات الدولية المعنية بالشفافية، ستبقى في منأى عن هذا المصير، هذه المؤسسات التي صنفت مصر في المركز 88 عالمياً من حيث الشفافية.
الغريب في قضية رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، أن أحداً لم يقل لنا ما هو الحجم الحقيقي للفساد في وطننا؟، وإذا كانت أرقام (جنينة)غير صحيحة، أو حتى كاذبة، فكم يبلغ عدد المليارات التي نهبت من أموال الشعب، ولا الطرق القانونية، التي ستسلكها الحكومة لاسترداد هذه الأموال المنهوبة؟ فهل كانت المشكلة في رئيس الجهاز الرقابي، وبعزله أو سجنه ستزيح مصر الدنمارك من رأس قائمة الدول الأقل فساداً في العالم؟
إنها مجرد نماذج لأسئلة، لا تجد إجابات أو مجيبين.
ولأن الرسائل كالمصائب، لا تأتي فرادى، فبالتزامن مع محاكمة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، لأول مرة منذ إنشاء الجهاز، بداية أربعينيات القرن الماضي عام 1942، فإن نقيب الصحفيين ووكيل النقابة وسكرتيرها العام، يحاكمون أيضاً، بتهمة نشر أخبار كاذبة، إضافة إلى إيواء مطلوبين، بعد اقتحام الأمن لمقر النقابة، للمرة الأولى أيضاً منذ إنشائها عام 1246.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
05/06/2016
1564