+ A
A -
اليوم هو اليوم الأول من ذي الحجة حيث يبدأ موسم حج 1439 هجري ويبدأ حجاج بيت الله الحرام التوافد إلى الديار المقدسة لأداء الركن الخامس للإسلام، وهم يتوقون شوقاً للطواف حول الكعبة المشرفة والبيت العتيق والوقوف بعرفة وأداء وتكملة مناسكهم في سكينة وأمان واطمئنان كما ورد في السّنة الشريفة لقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام «خذوا عني مناسككم».
الحج فريضة للعبادة فقط.. لقوله تعالى «فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج».. فريضة الحج هي عبادة وتعظيم لله فقط، ولا مكان فيها لمناقشة الأجندات السياسية، في وقت تحرم فيه السعودية القطريين والمقيمين بقطر من أداء المناسك.. وعلى جميع مؤسسات الدولة المستضيفة أن تعمل وفق منظومة واحدة من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام منذ دخولهم أراضي المملكة وحتى عودتهم لديارهم، ولا يجوز تسييس الحج باعتبار أن مناسكه عبادة يتوحد فيها المسلمون في لباس واحد ومكان واحد وعلى صعيد واحد لا فرق بينهم في الألوان والجنسيات.
ويتضح لنا تأكيد جديد على تسييس النظام السعودي للشعائر الدينية «الحج والعمرة»، وتوظيفها المشاعر المقدسة في خلافاتها السياسية التي توسعت وطالت الكثير من الدول العربية والإسلامية، واستغلالها في ابتزاز الأنظمة الإسلامية والشعوب تحقيقا لأهدافها السياسية، أمر مرفوض، والتمادي فيه سوف يؤدي لأزمة كبيرة على مستوى العالم الإسلامي، فالشعائر الدينية شيء والخلافات السياسية شيء آخر، ولا يجوز الجمع بينهم ويجب فصل الدين عن السياسة، والسلطات السعودية لا يحق لها مطلقا أن تمنع مسلما من أداء شعائر دينه، ومن يفعل ذلك يكن آثما شرعا وقانونيا يكون مخالفا للقوانين الدولية، ومنتهكا للحريات الشخصية للمسلمين، ناهيك عن منع دعاة معروفين في العديد من الدول الإسلامية رفضوا ممارسات دول الحصار ضد قطر فكانت العقوبة المنع، ومن كان متعاطفا مع قطر أو أي دولة تختلف مع توجه النظام السعودي وحتى في الرأي أو التعاطف مع قطر يكون مصيره المنع من زيارة بيت الله الحرام، سواء للعمرة أو الحج، ناهيك عن الاعتقالات التي ستواجههم، وفي المقابل تمنح السلطات السعودية تأشيرات حج في صورة منح وعطايا لإعلاميين مسلمين وعرب كمكافأة على سبهم وقذفهم لقطر ورموزها، وهذا أمر مرفوض، ويمس الشعائر الإسلامية بما لا يقبله المسلمون، ويجب على السلطات السعودية الرجوع عن مثل هذه الممارسات، والكف عن تسييس الشعائر الدينية، فهو إثم عظيم وانتهاك واضح لحقوق المسلمين، والتمادي في مثل هذه الأمور سوف تكون عواقبه وخيمة.. نعم.. من حقها أن تنظم مسألة الحج والعمرة كما تشاء لضمان سلامة الضيوف المسلمين، لكن ليس من حقها منع مواطني دول بعينها من أداء الفريضة بسبب خلافات سياسية، أو للضغط على الأنظمة والشعوب لقبول سياسات السعودية التي أصبحت شاذة، ومخالفة للشرع والقانون..
السعودية وإعلامها الكاذب وإعلام دول الحصار يروجون عدم ممانعة السلطات السعودية في استقبال أي مسلم يرغب في أداء الفريضة بغض النظر عن الخلافات السياسية، وهذه مجرد شعارات وكلام للاستهلاك الإعلامي، ولا ننسى أن جميع الأجواء والحدود البرية والبحرية مغلقة والسفارة السعودية بالدوحة مغلقة هي أيضاً، ولا يوجد لقطر سفارة في السعودية أو قنصلية، وأن القطريين والمقيمين في قطر ممنوعون من دخول المملكة..
ناهيك عن تجاهل حملات الحج القطرية وعدم التجاوب مع اتصالاتها أو التنسيق معها من قبل الجانب السعودي.
إن تجاهل مؤسسات الحج السعودية الرسمية لأصحاب الحملات القطرية وعدم التجاوب معهم لهو دليل قاطع على تسييس الشعائر الدينية واختلاق أزمة دينية مرادفة للأزمة السياسية، وذلك ليس من الدين الإسلامي الحنيف في شيء.
يجب وفورا على منظمة التعاون الإسلامي، أن تتدخل بصفتها كيانا إسلاميا له وزنه وقدره لدى المسلمين، لوضع ضوابط واضحة وملزمة للسعودية لاحترام حقوق المسلمين في الحج، وفي زيارة الأماكن المقدسة، كحق تقره الشريعة الإسلامية، ويقره القانون الدولي، وعدم ترك الأمر لأهواء مجموعة من الموظفين في الحكومة السعودية يتعاملون معه كعطايا أو هبات يوزعونها كما يشاؤون ويمنعونها عمن يغضبون عليهم، هذا مخالف لتعاليم وأحكام الدين الإسلامي، ولا يمكن قبوله والاستمرار على مثل هذه الممارسات أو الأفعال الصبيانية، دون أن يغضب العالم الإسلامي لحقوق المسلمين ولهذه الممارسات المرفوضة والمخالفة لأمر الله ورسوله.
مقدسات المسلمين أصبحت أدوات للطغاة.. وحول هذا الموضوع، أذكركم بتعليق لأستاذنا الدكتور ماجد الأنصاري، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة قطر، أن هناك اتفاقيات أممية تحمي حقوق ممارسة الشعائر الدينية عبر الحدود، وبغض النظر عن اختلاف المواقف السياسية.. وأضاف أن السعودية شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين، وكانت دائما الحاضنة لهذه الشعائر ومصدر فخر للمنطقة بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص، وأن هناك حقوقا لكل من يريد أن يمارس هذه الشعائر، والتسييس هنا يعني أن يحرم البعض منها بسبب خلافات ومواقف سياسية معينة. وعلق الدكتور محمد هنيد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون بأن هناك نقطة منهجية أساسية وهي التفريق بين التدويل والتسييس، لا سيما أن هناك محاولة من الإعلام السعودي للخلط بينهما.
كما اعتبر الناشط الحقوقي السعودي يحيى عسيري أن وجود الحرمين الشريفين في الأراضي السعودية هو فضل من الله ومنة عليها كان يجب الاستفادة منها لخدمة المقدسات وضيوف الرحمن. وإن ما يحدث الآن هو محاولة لترسيخ وتقوية دعائم السلطة التي تستبد بالإدارة والقرار وحتى بالتفسير الديني للدين الإسلامي الحنيف، وتستبد بكل ما يجري على هذه الأرض حتى المقدسات، التي أصبحت مثل الرهن الموجود تحت السلطة السعودية. ويرى أن هذا التوظيف الكامل للحج واستغلاله سياسيا واقتصاديا هو استغلال واستخدام لبيت الله الحرام وليس خدمة له ولضيوف الرحمن..
الخلاصة.. إلى متى يستمر تسييس الحج والعمرة..؟! نرفض وبشدة استغلال السلطات السعودية لشعائر الحج والعمرة لابتزاز الأنظمة العربية والإسلامية والضغط عليهم للموافقة على الممارسات السياسية السعودية بالمخالفة للشريعة الإسلامية والقانون الدولي.. وتمادي السعودية في تسييس شعائر الحج سوف تكون له عواقب وخيمة، وسيؤدي لتقسيم الأمة الإسلامية أكثر مما تعانيه من انقسامات وتناحرات، وهذا الأمر مخالف لشرع الله وسنة نبينا وإمامنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام..
بقلم : عبدالله غانم البنعلي المهندي - مدير التحرير
copy short url   نسخ
12/08/2018
2660