+ A
A -
نفذ الرئيس ترامب وعيده، ووقع أمرا تنفيذيا بتفعيل سلسلة من العقوبات الصارمة ضد إيران. وترافقت العقوبات الجديدة مع ضغوط تشهدها العملة الإيرانية التي تفقد الكثير من قيمتها وتاليا تزيد من الاعباء المعيشية على المواطن الإيراني والاقتصاد الوطني.
الواضح أنّ الإدارة الأميركية تسعى إلى خنق الاقتصاد الإيراني بهدف دفع الشارع إلى التحرّك ضد السلطة الإيرانية، في سعيها لإجبار المسؤولين الإيرانيين على الجلوس حول طاولة مفاوضات جديدة مع الأميركيين وإنجاز اتفاق جديد يعود بالفائدة على الشركات الأميركية التي خرجت خالية الوفاض من الاتفاق السابق، والترتيب لتفاهمات سياسية في منطقة الشرق الاوسط تضبط النفوذ الإيراني على المقاس الأميركي.
وإضافة إلى الضغط الاقتصادي والمالي، لا تخفي الولايات المتحدة سعيها إلى إثارة الشارع الإيراني لخلق أجواء ملائمة لتوسيع دائرة التظاهرات على خلفيات معيشية أو عرقية أو سياسية.
العقوبات الجديدة سوف تتبعها حزمة ثانية في نوفمبر المقبل، اشد قسوة وتطاول خصوصا القطاع النفطي والشحن البحري، لشد الحبل على رقبة الاقتصاد الإيراني ودفع القيادة الإيرانية إلى التسليم بالمشيئة الأميركية. ولضمان قطع الطريق على أي مبادرة اوروبية من شأنها مد يد المساعدة لطهران، غرد ترامب بأن «كل من يتعامل تجارياً مع إيران لن يتعامل تجارياً مع الولايات المتحدة»، في اشارة مقصودة إلى قرار الاتحاد بتفعيل نظام يحمي الشركات الأوروبية من طائلة العقوبات الأميركية، ويمكّن هذه الشركات من الوفاء بالتزاماتها تجاه العقود المبرمة مع الحكومة الإيرانية قبل سريان مفعول الأمر التنفيذي. ولعل هذه الخطوة الأوروبية هي ردة الفعل الأولى من حلفاء واشنطن، إزاء سياسة تضرّ بمصالح الصناعة الأوروبية وتنعكس سلباً على الأحوال الاقتصادية والمعيشية في معظم المجتمعات الأوروبية.
وفي المقابل تعمل طهران التي اعتادت على قصاص العقوبات، على الالتفاف عليها بتشجيع الاكتفاء الذاتي وفتح قنوات خارجية خلفية لتخفيف وطأة القصاص. فبالنسبة إلى روسيا والصين، فان الهجمة الأميركية فرصة ذهبية لتوسيع التدخل الاقتصادي والتجاري والاستثماري في السوق الإيرانية، لا بل ايضا لاختراق العقوبات المفروضة أصلاً على موسكو، والمضايقات والرسوم الخانقة التي تعاني منها التجارة الصينية مع أميركا. كذلك فإن تركيا والهند ودولا أخرى، لن تفوت الفرصة لحجز بطاقة لها في السوق نفسها، فما يمكن جنيه في إيران يتجاوز بكثير ما يمكن خسارته من جراء الاجراءات العقابية الأميركية بسبب التعامل مع طهران.
واشنطن قادرة على ايذاء إيران اقتصاديا وجلب الصداع إلى رأسها، لكنها ليست مستعدة للذهاب إلى المواجهة المباشرة ولا طهران تريد ذلك بطبيعة الحال، لا بل على العكس فإنّ الهدف الأميركي الرئيسي هو لاستعادة العلاقة الحميمة السابقة مع طهران ولو وفق إطار جديد يلائم أنظمة الحكم في كلا البلدين. كما ان إيران لاتزال تملك الكثير من الحلفاء والمخالب والقدرة على الايذاء التي تسمح لها بالتفاوض المباشر أو غير المباشر من موقع الند. كما ان تاريخ العقوبات الاقتصادية لا يشير أبداً إلى أن فرضها يمكن أن يسفر عن تغيير أي نظام، كما تأمل إدارة ترامب. المتضرر الأكبر هو المواطن الإيراني العادي، وليس الملالي أو قادة «الحرس الثوري» أو القوى المحافظة في إيران التي ستستثمر هذه العقوبات في مزيد من التشدد ضد الاصلاحيين والمعتدلين في الداخل، لاسيما وان إسرائيل هي اكثر المتحمسين لرفع رايات التشجيع لعقوبات ترامب. فهل تكون هذه الجولة الأميركية الجديدة هدية أخرى للجمهورية الإسلامية؟
بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
11/08/2018
1913