+ A
A -
عدد من الإعلاميين السودانيين، شرعوا في تكوين مجموعة للأخبار السعيدة، تحمل اسم (إعلاميون ضد الإحباط).
القدر وحده، الذي ألقى بنا في طرقات مهنة تستمدُّ وجودها وحيويتها، من نشر الأخبار السيِّئة: الحروب، التوترات، الكوارث، والأزمات.
في عالم الإعلام، لا نزال حبيسي عقدة البحث عن الرجل، الذي عضَّ كلباً لا الذي عالجه.
تكاثف الأخبار السيِّئة، يعمِّق حالة الشعور بالإحباط وفقدان الأمل في الغد، والزهد في النظر للمستقبل.
حينما يتحكم اليأس، يفسد طعم الحياة.
في مرة طالعت بأحد مواقع الإنترنت، خبراً يقول إن شابَّاً عشرينيّا قام بإنشاء موقع، لا ينشر فيه سوى الأخبار السعيدة: الاكتشافات والابتكارات، وكل ما بمقدوره وضع ابتسامة مشرقة على وجه القارئ.
(لا أعرف حتى الآن مصير تلك التجربة الصحفية).
قناعتي أن الشعوب في العالم الثالث، في حاجة لما يدعم صمودها في مواجهة سيل الأخبار السيِّئة، التي تحملها نشرات الأخبار.
الصحف السياسيَّة تتوعده بالتشظي، والاجتماعية تبشره بالانهيار الأخلاقي، والرياضية تزف إليه الهزائم.. تضطره الصحافة لأخذ جرعة يومية من المحبطات!
قالتها الجزائرية أحلام مستغانمي من قبل في رواية (ذاكرة الجسد):
(عناوين كبرى.. كثير من الحبر الأسود.. كثير من الدم.. وقليل من الحياء.
هناك جرائد تبيعكَ نفس صور الصفحة الأولى.. ببدلة جديدة كلّ مرّة.
هنالك جرائد.. تبيعكَ نفس الأكاذيب بطريقة أقلّ ذكاءً
كلّ مرّة.
وهنالك أخرى، تبيعكَ تذكرة للهروب من الوطن.. لا غير).
صحيح، يجب ألا يساهم الإعلام في بيع الأكاذيب والأوهام، وأن يُبصِّر بالمخاطر، ويضع إصبعه على مواضع الوجع، ويشير بقوة إلى مراكز الخلل والقصور، وألا يختبئ في معية النعام؛ ولكن في المقابل، لا بد أن يسهم في محاربة اليأس ومقاومة الإحباط وزراعة الأمل، بنشر الأخبار السعيدة خارج الصفحات الإعلانية.
الحقيقة التي تبدو أكثر وضوحاً، هي وجود جهات رسمية عدّة، تبدو متخصصة في تسويق وإنتاج الأخبار السيِّئة.
الساسة هم الذين يجعلون الصحف تولول بالمصائب.. لا يقدمون بارقة أمل ولا بصيص ضوء ولا حلوى وعد.. يتشاكسون ويتصارعون، دون إحساس بحشائش الأرض ولا بالورود اليانعة.
في العالم الثالث يندر أن تجدَ سياسيًّا له مقدرة على إنتاج أفكار نيِّرة ومشرقة، تُسهم في حل المشكلات والأزمات. جميعهم بارعون في الكيد لبعضهم البعض.
بارعون في الهدم ونسج الأوهام، وعاجزون عن صناعة الأحلام، وإنتاج الأفكار.
المشكلة ليست في السياسيِّين كأشخاص، ولكن في الثقافة السياسيَّة السائدة، التي تجعل الحاكمين في كل العهود، يزيِّنون الواقع بالأكاذيب ووعود السراب وإنكار الحقائق، وإذا سايرتهم صحافة زمانهم في بيع البضاعة المغشوشة؛ فقدت الصحافة أعز ما تملك وهي مصداقيتها، فأصابها البوار.
في مقابل ذلك، المعارضون في كل العهود يراهنون على استثارة غضب الجماهير وغيظهم، بتكثيف نشر الأخبار السيِّئة، وتبخيس إنجازات الحكومة للوصول بالجماهير إلى مرحلة الثورة على الراهن.
تمنياتي للمجموعة الإعلامية التي قررت أن تساعد في نشر الأخبار السعيدة لمقاومة «ثقافة التحبيط» أن تنجح في مسعاها كثر من المجتمعات في حاجة لشموع الأمل.

بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
05/06/2016
1680