+ A
A -
تجرى الانتخابات العامة في الهند كل خمسة أعوام بسلاسة (إلا فيما ندر) يعقبها تسليم الجميع بنتائجها، فيما الجيش في ثكناته بعيدا عن أي تدخل في سيرها. بينما يسبق الحدث نفسه في باكستان موجة من أعمال العنف، ويليه التشكيك في نزاهة الانتخابات وقيام الحزب الخاسر بدعوة أنصاره للإضراب والاعتصام. وهذا ما حدث في انتخابات باكستان الأخيرة والتي لم تختلف عن سابقاتها إلا في أمر وحيد هو صعود حركة الانصاف بقيادة لاعب الكريكيت السابق عمران خان إلى السلطة، مستفيدا مما لحق بحزب الرابطة الإسلامية من ضعف على خلفية الحكم على زعيمه نواز شريف بالسجن والغرامة بتهمة الفساد، ومستفيدا أيضا من أفول شعبية حزب الشعب الذي كان يوما ما حزبا جماهيريا كاسحا، وذلك بسبب فساد زعيمه السابق آصف زرداري من جهة، وأيلولة قيادته من جهة أخرى إلى شاب خجول عديم الخبرة هو «بيلاوال بوتو زرداري»، علما بأن بيلاوال لم يستطع الفوز بمقعد لنفسه في البرلمان، وهو ما عدّ فضيحة لوريث آل بوتو، وهزيمة نكراء لحزب الشعب المتنفذ تقليديا في إقليم السند.
صحيح أن عمران نجح في كسر ثنائية الرابطة الإسلاميةــ الشعب التي تناوبت على السلطة في العقود الأخيرة، وحقق بذلك حلم حياته. وأنّ حزبه نجح أيضا في الحصول على أغلبية مقاعد إقليمي البنجاب، وبختونخوا، الأمر الذي يعني إدارته لهذين الإقليمين. لكن الصحيح في المقابل أن نجاحه في قيادة باكستان وانجاز الوعود التي قطعها على نفسه تبدو ضعيفة. فداخليا يواجه الكثير من المشاكل الأمنية والاقتصادية والمعيشية والخدمية، ناهيك عن تفشي الفساد الذي جعل محاربته على رأس برنامجه الانتخابي.
أما خارجيا فيواجه جملة من الملفات الكبيرة مثل علاقات التحالف التاريخية مع الولايات المتحدة المصابة بعدم الثقة منذ مجيء الرئيس ترامب، ثم علاقات بلاده المتأزمة منذ الأزل مع الهند، وأخيرا علاقات بلاده مع أفغانستان المصابة بالكساح بسبب تدخلات إسلام آباد المعروفة في الشأن الأفغاني. هذه الملفات وغيرها قد لا يستطيع عمران التعاطي معها بنجاح بسبب قلة خبرته في السياسة الخارجية.
قلنا في مقال سابق باحتمال وصول عمران خان إلى السلطة بدعم خفي من الجيش الذي حكم البلاد مباشرة أو من خلف الستار على الدوام طيلة العقود الستة الماضية منذ انقلاب الماريشال أيوب خان سنة 1958 وكان سبب اعتقادنا هذا هو أن من مصلحة الجيش الباكستاني وجود رئيس حكومة ضعيف يفتقد لمؤهلات القيادة والإدارة داخليا وخارجيا، ويفتقد أيضا إلى أغلبية برلمانية مريحه تساعده في إنجاز ما يريد دون عراقيل، كي يقوم هو (أي الجيش) بنسج الخيوط من وراء الكواليس. وفي سياق دعم الجيش لعمران أثناء الانتخابات أشار البعض إلى أن مرشحي حزبه كانوا الوحيدين الذين تمتعوا بالحماية الأمنية، وبالتالي لم تتعرض حملاتهم للتخريب.
نفى عمران هذه المزاعم، بل راح يشيد بدور الجيش في تأمين الانتخابات وانجاحها واصفا إياها بأنزه انتخابات في تاريخ باكستان. وسبب هذا الإطراء مفهوم وهو فوزه بأكثر عدد من المقاعد. ذلك أنه لو لم يتقدم على خصومه لهاج وماج واتهم الجميع بالتآمر ضده مثلما فعل مرارا وتكرارا منذ دخوله حلبة السياسة سنة 2002. والملاحظ في هذا السياق أيضا أنه، بمجرد ظهور نتائج الانتخابات دعا خصومه إلى الإقرار بهزيمتهم وعدم التظاهر والاعتصام، على نحو ما هددت به الأحزاب الخاسرة وفي مقدمتها الأحزاب الإسلامية المنضوية تحت «تحالف مجلس العمل المتحد» بقيادة المتشدد فضل الرحمن الذي خسر هو الآخر مقعده البرلماني، علما بأن عمران شوهد دائما في الماضي في مقدمة المحرضين ضد الحزب الفائز سواء كان الرابطة الإسلامية أو حزب الشعب.
بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
05/08/2018
1752