+ A
A -
خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لن يمر من دون تداعيات سلبية على الطرفين. لندن بدأت تدفع ثمن الطلاق. النتائج الاقتصادية الأولى جاءت على عكس ما تشتهي سفنها. الانكماش الفعلي بلغ 2.1 في المائة، والضرر الذي أصاب الموارد المالية العامة يبلغ مجموعه 579 مليون دولار أميركي في الأسبوع وآلاف الوظائف معرضة للخطر. في المقابل خسائر المنظمة القارية ليست بسيطة. بريطانيا قوة عالمية ثقافيا واقتصاديا وعسكريا.
ومن البديهي ان يكون الاتحاد الاوروبي بلا بريطانيا أصغر وأضعف، ويصح هذا بصفة خاصة على السياسة الخارجية حيث يمكن ان يتناقص ثقل اوروبا في علاقتها مع الولايات المتحدة والصين واقتصادات ناشئة مثل الهند والبرازيل. وهناك الخطر المتزايد لليمين المطالب بخروج بلدانه من الاتحاد على غرار المملكة المتحدة.
مع ذلك فإن بريطانيا ليس الا تحديا ثانويا ازاء التحديات الكبرى التي يواجهها الاتحاد، بدءا من تهديدات الرئيس الأميركي بل وحتى بقاء التحالف بين ضفتيْ الأطلسي الذي يعتبر ركيزة أساسية من ركائز النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. فدونالد ترامب يُؤثِر بوضوح قادة مثل بوتين وكيم جونغ اون على حلفاء تقليديين مثل جاستن ترودو وانغيلا ميركل وايمانويل ماكرون وحتى تيريزا ماي. وبدلا من أن يتعاون مع أوروبا واليابان، وأن يدعم منظمة التجارة العالمية لمواجهة النزعة التجارية البحتة (الميركانتيلية) التي تنتهجها الصين، قرر أن يخوض ذلك وحده مهاجما حتى أقرب حلفائه، وهو ما ينذر بالتحول إلى حرب تجارية كاملة تضر الجميع، ولن تكون الصناعة الأميركية والمستهلكين الأميركيين أقل الخاسرين فيها.
ثاني التحديات الكبرى والملحة الهجرة إلى اوروبا، فالبعض في اوروبا يرى ان الوسيلة الناجعة للحد من هذه الظاهرة هي إقامة سياج من الأسلاك الشائكة على طول الحدود (المجر)، أو أن هناك ما يسوغ إغلاق الموانئ في وجه السفن المكتظة باللاجئين (إيطاليا ومالطا). ومثل هذا السلوك يُنظر إليه بعين الرضا من إدارة ترامب ويطابق سياستها القاضية «بعدم التسامح مطلقا» في شأن المهاجرين. ويتلقى هذا السلوك استحسانا من الشعبويين اليمينيين في أوروبا. وتاليا فإن منهج بعض قادة أوروبا في تناول مسائل مثل الهجرة يهدد بخلق مشكلات نظامية.
كان الاتحاد الأوروبي يفتخر دائما بأنه مجتمع ذو قيم يحمي الأقليات ويرحب بالفقراء والمضطهدين؛ فالاتحاد الأوروبي في النهاية يتكون من أقليات، وقد نال نصيبه من الفقر والشدائد.
ولكن ما القيم التي يمكن أن تجمع بين ديمقراطيين معتدلين مثل ميركل وماكرون ورئيس وزراء هولندا مارك روته من جهة، وبين زعماء سياسيين يمينيين في المجر وبولندا وإيطاليا، بل وحتى في النمسا يدهسون قيم الاتحاد الأوروبي بأقدامهم؟
شعارات الأنانية وانتهاك سيادة القانون والتنكر للالتزامات الدولية، ليست هي الوصفة المثلى للسياسات الجيدة. ففي قضية الهجرة يتعين على الاتحاد لحماية حدوده وتعزيزها مساعدة البلدان التي يفر منها السكان، انمائيا وامنيا. فبمزيد من الاستقرار وانفتاح الأسواق، ستتمكن تلك البلدان من تصدير منتجاتها، بدلا من تصدير مواطنيها.
العالَم يحتاج الاتحاد الأوروبي الآن أكثر من أي وقت مضى. ورغم الأزمات الأخيرة والضربة القاسية التي تلقاها بسبب خروج بريطانيا منه، فربما يكون أفضلَ خطوط العالَم الدفاعية ضد أشد التهديدات خطورة اليوم: الانعزالية، ونزعة الحمائية، والنزعة القومية، والتطرف بكافة أشكاله، والتي بدأت تنمو جميعها مرة أخرى في أوروبا وخارجها. وهذا لن يكون الا باتحاد تنظر دوله إلى ما هو أبعد من المصلحة الوطنية الضيقة، والاعتراف بأن الحفاظ على السلام ورفاه البشر يتطلب فهم واحترام احتياجات ومصالح الآخرين، التي لا تقل مشروعية عن احتياجات الاوروبيين ومصالحهم.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
03/08/2018
1935