+ A
A -
من المبكيات، المضحكات، المدهشات، المؤسفات، المؤلمات، أننا في عالمنا لعربي البائس، مازلنا نتجادل في ما أصبح من البديهيات والمسلمات في العالم.
فنحن مثلا نناقش حرية الإعلام وكأنها اختراع جديد، نتلمس أبعاده ونحاول فك ألغازه، وليس قيمة ثابته وراسخة عبر الأزمان، ولا أنها أم الفضائل، التي لا تقدم إلا بها، وأن وجودها يمنح الدول مزيدا من القوة والصلابة، والاستقرار، وإنها تكشف نقاط الضعف قبل أن يتحول إلى وهن، وتفضح الفساد قبل أن يتفشى وينتشر بشكل سرطاني، وأن غيابها، أو تغييبها، يعني وبشكل مباشر، خلق بيئة مواتية لتفشي رذيلتي الفساد والاستبداد، الكفيلتين بخراب العمران أينما حلتا.
ورغم أنها حرية ذات سقف منخفض، وتخضع للعديد من القيود، التي إن لم تكن قانونية، فهي اجتماعية، وربما شخصية، من قبل القائمين على الصحف أنفسهم، إلا أن هذا السقف المنخفض، تريد له السلطات وأنصارها– بعضهم صحفيون وذوو خبرة وتاريخ– أن يلتصق بالأرض.
ما يضيف الإهانة إلى الجرح، أن الدساتير في كثير من بلادنا، أقرب إلى قطع الديكور، لا قيمة حقيقية لها، فهي لا تطبق إلا بالطلب وحسب الأهواء والمصالح، وليس ذلك لعيب فيها في أغلب الأحوال، فهي عادة تكتظ بالمواد الكافلة لحرية الصحافة ومنع العقوبات السالبة للحريات أو الحبس الاحتياطى في قضايا النشر، لكن الدساتير لا تنطق وإنما ينطق بها المنوط بهم تطبيق موادها وتفعيلها، أو من يصرون على التطبيق.
في الفيلم المبهر «ذا بوست»، يقول بطل الفيلم النجم العالمي توم هانكس، على لسان رئيس تحرير واشنطن بوست بن برادلي «النشر هو الطريقة الوحيدة لحماية حق النشر». بينما تقول النجمة، ميرل ستريب، على لسان كاترين جراهام، مالكة الواشنطن بوست في الفترة التي تدور فيها أحداث الفيلم «دور الصحافة هي خدمة المواطنين وليس الحكومة».. «الصحافة هي المسودة الأولى لكتابة التاريخ».
مع كل أزمة للصحافة، تزداد القناعة بأن الأنظمة التي تخنق صاحبة الجلالة، لا تفعل ذلك إلا لأنها تشعر دوما أن حرية الإعلام خطر على وجودها، وأن الاستقرار الذي تتفاخر به دوما، إنما هو استقرارها هي على المقاعد السلطوية الوثيرة، بامتيازاتها الوفيرة.
بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
15/07/2018
1842