+ A
A -
تعيش مصر مأزقا سياسيا لا يختلف عليه اثنان، ومع ذلك فالبحث عن مخرج من هذا المأزق ليس بالأمر السهل وتكتنفه صعوبات جمة تكاد تحيله إلى مهمة مستحيلة. أما السبب الأساسي الكامن وراء هذه الصعوبات فيعود إلى عدم توافر مناخ سياسي يساعد على إطلاق حوار حقيقي بين الأطراف المعنية والمسؤولة عن النهوض بالوطن. الأمثلة على وجود هذه الصعوبات كثيرة، وسأكتفي هنا باختيار واحد منها أرجو أن ينجح في إلقاء الضوء على الفكرة التي أسعى لاستجلائها.
ففي يوم 6 يوليو الجاري، دونت في حسابي على موقع «تويتر» تغريدة تقول: «يصعب إعادة بناء دولة مترهلة ومنقسمة على نفسها، ناهيك عن تمكينها من شروط النهضة، ما لم تقتنع جماعة الإخوان بأهمية حل نفسها طواعية، وتقتنع المؤسسة العسكرية في الوقت نفسه بضرورة الابتعاد عن التدخل في شؤون الحكم. للوصول إلى هذه المحطة نحتاج إلى خريطة طريق جديدة، وحلول مرحلية مترابطة الحلقات. فهل نستطيع؟»، معتقدا أن الأفكار المتضمنة فيها واضحة لا تحتمل أي لبس أو اختلاف في التفسير. فالتغريدة تتحدث عن «اقتناع ذاتي» وليس عن فرض أو إكراه من أحد، وعن جماعة الاخوان والمؤسسة العسكرية معا وليس عن أحدهما فقط، ومن ثم ترى في اقتناع جماعة الإخوان بضرورة حل نفسها، بالتوازي مع ضرورة اقتناع المؤسسة العسكرية بالعودة إلى الثكنات، شرطا لازما لفتح الطريق المغلق نحو التحول الديمقراطي في مصر.
لو كان المناخ السياسي في مصر مهيأ لحوار حقيقي بين الأطراف المعنية، لتركزت إسهامات كل من يرغب في مناقشة الأفكار التي وردت في هذه التغريدة على قضايا جوهرية، من قبيل مدى إمكانية توافر شرط الاقتناع الذاتي من عدمه، سواء عند الإخوان أو عند المؤسسة العسكرية، أو غيرها من القضايا المماثلة. لكن بدلا من ذلك، انقسم المعلقون، وكانوا بالمئات، إلى فريقين: فريق راح يدافع باستماتة عن الإخوان ويصفني بأنني أحد الذين استدعوا «العسكر» وساعدوهم في الانقلاب على الشرعية الدستورية، ومن ثم يرى في الدعوة لحل الإخوان تكريسا لحكم «العسكر» وتثبيتا له، أما الفريق الآخر فراح يدافع باستماتة عن المؤسسة العسكرية التي يرى أنها تجسد الوطنية المصرية في أنقى صورها وحمت مصر من حرب أهلية ومن حكم كان سيعودها إلى القرون الوسطى، ومن ثم يرفض من الأساس فكرة عودة المؤسسة العسكرية إلى ثكناتها لأنه يعني عودة الجماعة إلى الحكم.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فقد اهتم بعض مقدمي البرامج الإخبارية، من أنصار هذا الفريق أو ذاك، بالتغريدة المشار إليها آنفا، وراحوا يعلقون عليها، كلا بطريقته الخاصة. فالوكلاء الإعلاميون للمؤسسة العسكرية لم يشيروا مطلقا إلى ما تضمنته التغريدة من ضرورة عودة الجيش لثكناته واكتفوا بذكر نصفها الآخر المتعلق بحل الجماعة ورأوا فيه موقفا جديدا يتناقض مع مواقفي السابقة الداعمة للإخوان!!. أما الوكلاء الإعلاميون للجماعة فمارسوا الغمز واللمز كالعادة وراحوا يشككون في الدوافع والنوايا مؤكدين أنني أتحدث باسم «العسكر». ونسي الفريقان أو تناسوا أنني لم أطالب أحدا بشيء وأن حديثي كان يدور حول «اقتناع ذاتي» لا يمكن التوصل إليه إلا عبر حوار داخلي يرتكز على مراجعة نقدية فكرية وسياسية يبدو أنها ماتزال مستحيلة ومرفوضة من جانب الفريقين.
يبدو أن أنصار الجماعة نسوا أيضا، أو تناسوا، عن حقيقة أنني تحدثت عن حل «التنظيم» وليس عن منع أنصاره من ممارسة العمل السياسي. فالجماعة وفق تعريف مؤسسها حسن البنا هي: «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وفكرة اجتماعية». معنى ذلك أنها بالضرورة نواة لمجتمع بديل يرى في نفسه المجتمع الوحيد الصالح أو المؤمن، ويرى في غيره بالتبعية مجتمعا طالحا أو كافرا أو فاسدا أو منافقا.
بقلم: د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
12/07/2018
2015