+ A
A -
لم أكن أتخيل أن محدثي الشاب الذي تجاذبت معه أطراف حديث عن شغفه بعالم الرواية والروائيين، وأيضا عن روايته الأولى التي على وشك الصدور، هو بالأصل طبيب شاب، هجر عالم الطب، ويتأهب لاقتحام نجومية الكتابة الروائية والدراما التليفزيونية وعالم الفن والفنانين، خاصة أن سلوكه الشخصي يتناقض تماما مع ما يحرص عليه الأطباء من حيث الإقلاع عن التدخين، فهذا الشاب يدخن بشراهة، وكأنه لا يعرف أن قفصه الصدري صار يشبه «فرن بلدي» يضرم دخانه بعدد هائل من السجائر، فالرجل هجر الطب والسلوك التقليدي لفرسانه، الذين لا يكفون عادة عن تحذير المدخنين من سوء العاقبة
وعلى الرغم من أن حلم الآلاف من طلاب الثانوية العامة الالتحاق بكلية الطب، واجتياز الدراسة المرهقة فيها ليتوج هذا الجهد بارتداء المعطف الأبيض، وعلاج المرضى كل بحسب تخصصه، إلا أن عددا ليس قليلا من الأطباء يهجرون مهنة أبقراط إلى عالم الفن أو الأدب أو حتى إلى الصحافة، بل وهناك عدد ليس قليلا أيضا من الأطباء، تزوج من فنانات شهيرات بعد أن حققوا لأنفسهم شهرة واسعة في عالم الطب.
الأرضية المشتركة بين الطب والفن لا تحتاج إلى إيضاح، فغايتهما المشتركة مناهضة أوجاع وآلام الإنسان والإنسانية، وإن اختلفت وسائط ووسائل كل منهما في المعالجة، غير أن عددا ليس قليلا من الذين يلتحقون بكلية الطب لم يلتحقوا بهذه المهنة العظيمة عشقا وشغفا فيها، ولكن أحيانا للوجاهة وإثبات الجدارة، وأخرى للفوز بسهولة في دنياهم بما يسمى: «الخمسة ع» أو «الخمسة عين» وهي: «العروس» و«العزبة» و«العمارة» و«العربية أو السيارة» وأخيرا «العيادة الخاصة» التي تدر عليه دخلا مذهلا أحيانا في مدى زمني قصير.
هذا الروائي الطبيب الذي أنفق من عمره نحو خمس أو سبع سنوات في دراسة الطب، سيضع مهنته وشهادته التي حصل عليها جانبا ويتجه إلى حياة أخرى سيتفرغ لها مودعا أحلام الـ «خمسة عين» التي عادة ما يحلم بها أقرانه الأطباء، فقط ربما سوف يستفيد من الطب الذي درسه في تشريح الحياة الاجتماعية التي سيلتقط منها شخوص رواياته، وفي المقارنة بين أمراض الفرد وأمراض المجتمعات، وربما يعرج إلى أدب الخيال العلمي، وربما تؤثر العقلية العلمية المنظمة والمنهجية التي درس بها الطب في انتقاء تقنية روائية يتميز بها وتطل من كتاباته، وربما يتميز في موضوعاته الروائية باقتحام عالم المستشفيات والتطبيب وحياة الأطباء وسيكولوجيات المرضى بأمراض ما زالت تحير الطب وأطباءه، فهو لا يبدي ندما على دراساته الطبية، ومن القانعين والمقتنعين تماما أن أدباء هذا الزمن يجب ألا يكونوا فقط نتاجا لقراءات واسعة في الأدب، بل عليهم أن يغوصوا في علوم عصر مذهل في نتاجاته التكنولوجية والبحثية العلمية المثيرة.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
10/07/2018
2167