+ A
A -
على الرغم من انطلاق علاقات التعاون بين الهند ودول الخليج العربية نحو آفاق بعيدة في سائر المجالات، من بعد إهمال لأسباب لا نريد الخوض فيها، فإن محورها الرئيسي لا يزال يدور حول النفط. هذه السلعة الاستراتيجية التي تعني الكثير للهند وهي تخوض مسيرة الارتقاء إلى مصاف القوى الاقتصادية المؤثرة، بدليل ما ذكرته وكالة الطاقة الدولية من أن الاستهلاك اليومي للهند من البترول سوف يصل إلى 5.6 مليون برميل بحلول 2030 مما يجعل الهند لاعبا أساسيا في السوق، علما بأن الأرقام تشير إلى أنها استهلكت في العام 2002 نحو 2.1 مليون برميل في اليوم، كان 1.4 مليون برميل منه مستوردا.
صحيح أن الهند تنتج النفط من حقول تقع على ساحلها الشرقي بالقرب من مومباي، إلا أن إنتاجها اليومي الذي لا يتجاوز 750 ألف برميل لا يفي باحتياجاتها الصناعية واحتياجات سكانها الذين تجاوز عددهم اليوم حاجز 1.3 مليار نسمة.
ومن هنا بدأت الهند منذ سنوات طويلة خلت باستيراد الخام من الخارج، مع زيادات سنوية في الكميات المستوردة، وبالتالي تنامي الضغوط على موازنتها العامة إلى أن وصلت فواتيرها النفطية في العام المالي 2017-2018 إلى قرابة 88 مليار دولار، وهو ما جعل فاتورة واردات النفط هي الأعلى رقما في الهند. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن الهند تستورد 75 % من احتياجاتها النفطية و37 % من حاجاتها من الغاز الطبيعي من دول الخليج العربية.
ومما فعلته الهند، تنويع مصادر وارداتها النفطية كي لا تقع تحت تأثير ضغوط سياسية، وكي تتفادى حالات الحروب التي تقطع خطوط إمدادات الطاقة. وإذا ما استعدنا التجربة المرة التي تعرضت لها زمن حرب الخليج الثانية، ومن قبلها تجربة أقل مرارة زمن الحرب الإيرانية العراقية، عرفنا لماذا تهتم نيودلهي كثيرا بموضوع أمن الممرات البحرية التي تعبر من خلالها ناقلات النفط الحاملة لاحتياجاتها من الطاقة، وتمر من خلالها أيضا صادراتها إلى أوروبا عبر مياه بحر العرب ومضيق باب المندب فقناة السويس، وعرفنا أيضا لماذا انضمت الهند مؤخرا إلى الصين والولايات المتحدة لجهة حث منتجي النفط الرئيسيين على ضخ المزيد من الإمدادات للحيلولة دون حدوث عجز في المعروض يقوض النمو الاقتصادي العالمي، خصوصا في ظل تهديد واشنطون بالضغط لعدم شراء النفط الإيراني، وبدء بعض المستوردين البحث عن بدائل له.
في لقاء سنة 2015 بين كاتب هذه السطور ووزيرة خارجية الهند «ساشما سواراج» أكدت لنا حرص بلادها على العمل من أجل ألا تتفاقم الخلافات بين إيران ودول الخليج العربية إلى درجة تنتشر معها الفوضى واللاستقرار في مياه الخليج وبحر العرب كيلا يشكل ذلك تهديدا لمصالحها الكبيرة والمتزايدة في المنطقة.
ومن أجل تفادي أي خلل قد يصيب حصتها من النفط في السوق العالمية، لجأت الهند إلى إقامة شراكة نفطية استراتيجية مع بعض دول الخليج. وتتجلى هذه الشراكة في تكوين مخزون نفطي احتياطي على الأراضي الهندية من خلال بناء خزانات نفطية تحت الأرض لحالات الطوارئ، وإقامة مصافي ضخمة لتكرير الخام وإنتاج مشتقاته.
لقد استوعب الهنود دروس ومخاطر الماضي فوجدوا أن الخليج هو أكثر المصادر أمنا وضمانا لتزويدهم بحاجاتهم من الطاقة، وأن ما راهنوا عليه يوما ما من استيراد تلك الحاجات من دول بعيدة كانت تشاركهم العقيدة الاشتراكية مثل العراق وسوريا والجزائر وليبيا كان تجربة فاشلة دعك من تكاليف العملية الباهظة بسبب بعد المسافة.
كما اكتشفوا مؤخرا أن المراهنة على الاستيراد من إيران تحفه المخاطر بسبب خضوع نظامها لعقوبات من قبل الولايات المتحدة، حليفتهم التي لا يريدون الدخول معها في مشاكل.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
08/07/2018
2024