+ A
A -
مهاتير محمد قصة غير مألوفة. إنه الطفل الفقير الذي أراد أن يكون طبيبا فعمل بائعا للموز لتحقيق حلمه. صار جراحا لكن الطب وحده لا يكفي لبلسمة وجع الأفواه الجائعة التي تعيش في غابات بلاده وعلى سواحلها. قرر أن لا خلاص لماليزيا من الجوع والتخلف والجهل إلا بالتنمية والتعليم.
انخرط في السياسة لتحقيق هدفه الأسمى والأكبر، فكان نائبا ثم وزيرا حتى صار رئيسا للوزراء، فكانت فرصته المنتظرة ليبدأ النهضة الشاملة في بلاده. رسم خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج. قرر أن يكون التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس الأجندة. خصص الجزء الأكبر من موازنة الدولة للتدريب والتعليم والتأهيل المهني. أرسل عشرات الآلاف كبعثات للدراسة في أفضل الجامعات الأجنبية. لم يهتم بالإسراف على القصور ودواوين الحكومة. أعلن للشعب بكل شفافية خطته واستراتيجيته، وأطلعهم على النظام المحاسبي الذي يحكمه مبدأ الثواب والعقاب للوصول إلى «النهضة الشاملة»، فصدقه الناس ومشوا خلفه ليبدأوا بقطاع الزراعة فغرسوا مليون شتلة نخيل زيت لتصير ماليزيا أولى دول العالم في إنتاج هذا الزيت وتصديره. حوّل معسكرات الحرب اليابانية التي احتلت بلاده إلى مناطق سياحية تشمل جميع أنواع الأنشطة الترفيهية والمدن الرياضية والمراكز الثقافية والفنية.. وصارت ماليزيا قبلة سياح العالم. وفي قطاع الصناعة.. حقق في عام واحد طفرة تجاوزت 46 في المائة بفضل المنظومة الشاملة والقفزة الهائلة في الأجهزة الكهربائية، والحاسبات الإلكترونية. وفي النشاط المالي، فتح الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الاستثمارات المحلية والأجنبية. أنشأ البورصة وأنشأ أكبر جامعة إسلامية على وجه الأرض. واستطاع من عام 1981 إلى عام 2003 أن يحلق ببلده من أسفل السافلين لتتربع على قمة الدول الناهضة. أنجز إنجازات لا تحصى جعلت ماليزيا واحدة من أنجح الاقتصادات في جنوب آسيا، ومن الأهم في الاقتصاد المتصاعد حول العالم. في عام 2003 وبعد 21 سنة من الحكم، كان ملكا بلا تاج لكنه قرر أن يزهد بنفسه عن السلطة، ليستريح تاركاً لمن يخلفه خريطة طريق اسمها «عشرين.. عشرين» أي شكل ماليزيا عام 2020 والتي ستصبح رابع قوة اقتصادية في آسيا بعد الصين، واليابان، والهند.
لكن الغنى والتقدم والازدهار سيف ذو حدين، فهو يجلب الرخاء للشعوب، لكنه أيضا يغري الحكام الجشعين والفاسدين. وبعد 15 عاما من الغياب، ها هو مهاتير يقرر أن يعود إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع لمحاربة الفساد الذي انتشر في ماليزيا وشرع أبوابها للغرباء وأصحاب المصالح المشبوهة. والذي تجاوز عمره التسعين لم يمنعه ثقل السنين من العزم والإرادة إذ تصرف بعد انتخابه مجددا بروح الفتى المفعم بالأمل في تحقيق نهضة اقتصادية ثانية في بلاده.
إنه العاقل في زمن الجنون، فالإنجازاتِ لا تنتظر المواهب بل هي أحوج إلى الإرادةِ. لم ينتظر تأليف حكومته اكتفى بالتكليف ليضرب على الفساد بيدٍ أخرجت كنوزا وحليا وخواتم.. فصادرَ أموالاً ومقتنيات ثمينةً غنمها بطريقة غير مشروعة سلفه نجيب عبدالرزاق والسيدة حرمِه.
لدينا من عبدالرزاق ومِن النجباء والأرصدةِ والكنوز وبائعي الخواتم ورجالِ السّوءِ مع سيّداتهم ما يَكفي لفتحِ معركة تُشبهُ ماليزيا لكن ليس لدينا مهاتير محمد. ما أحوجنا إلى رجال مثلك.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
06/07/2018
2091