+ A
A -
فوز المرشح اليساري، وزعيم تحالف "معاً نصنع التاريخ" أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بالرئاسة في الانتخابات التي جرت في المكسيك، بعد حصوله على نحو 53% من أصوات الناخبين، خطوة نوعية وكبيرة جداً في هذا البلد المُضطرب، وهو أول شخصية يسارية تصل إلى الموقع الأول في انتخاباتٍ رئاسية في بلدٍ يعاني تفشي تهريب المخدرات، وسطوة الجريمة المنظمة، مع وجود طبقة سياسية تقليدية، تنهشها فضائح الفساد، ولا تحرك ساكناً من أجل التصدي لهذه الأزمات المتتالية في حياة البلاد والعباد. وقد استثمر الرئيس المنتخب وفي برنامجه الانتخابي تلك الحالة العامة التي تسود البلاد، في تقديم برنامجه البديل، الذي يستوعب غضب الناخبين ومطالبهم، حين قَدَمَ نفسه على أنه المرشح المناهض للمؤسسات التقليدية، والرئيس الذي سيطرد "مافيا السلطة" والمجتمع. برنامج الرئيس اليساري الجديد، أندريس لوبيز أوبرادور، يدعو لإحداث "تغيير عميق" في المكسيك، قائلاً إن "مشروعنا الوطني يطمح إلى ديمقراطية حقيقية، لا نتطلع إلى إقامة حكم ديكتاتوري، لا في الظاهر ولا في السر"، وذلك في اشارةٍ مبطنةٍ لواشنطن التي طالما حاولت التدخل في المسار السياسي لحياة البلاد في المكسيك تاريخياً، ولطالما تبنت أنظمة القمع في تلك المنطقة من العالم من ديكتاتور نيكاراغوا سوموزا إلى ديكتاتور بنما مانويل نورريغا إلى المساهمة الفعّالة في الانقلاب على الديمقراطية في تشيلي عام 1974 بقيادة اوغستو بينوشيه، وفي حينها تم قتل شاعر ومنشد الحرية والحائز على جائزة نوبل الشاعر بابلو نيرودا. إنَّ نتائج الانتخابات الرئاسية في المكسيك- وبعيداً عن مجاملات التهنئة بين الرئيس الجديد المنتخب والرئيس الأميركي دونالد ترامب- تُشكّل صفعة جديدة لواشنطن، وزيادة في همومها المُحيطةِ بها وفي حديقتها الخلفية، التي بدأت تتوسع من كوبا، إلى بوليفيا، إلى نيكاراغوا، إلى النظام المُشاغب في فنزويلا. صفعة المكسيك مُغايرة نسبياً لحال الوضع في فنزويلا بالنسبةِ لواشنطن، فالمعادلة هنا تَكمُنُ في التلاصق الحدودي البري والطويل بين البلدين، وليبدو فيها شغب الرئيس الفنزويلي مادورو أقل شأناً وتأثيراً من الشغب المكسيكي المُتوقع مع فوز المرشح اليساري أندريس أوبرادو، صاحب البرنامج الانتخابي الذي تناول الولايات المتحدة، وبالاسم، وتناول سياساتها تجاه المكسيك، والمشاكل المستديمة العالقة بين البلدين، على الرغم من إفصاحه عَبرَ تصريحاته قبل الانتخابات، وبعدها، عن نيته بإقامة علاقات "صداقة وتعاون" مع الولايات المتحدة الأميركية، وقيام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهنئته، وتأكيده استعداده "للعمل معه". الرئيس الجديد والمنتخب للمكسيك، سياسي مُحنّك، وصاحب موقف، يَحمِلُ في قناعاته موقفاً وجدانياً، وإنسانياً راقياً، تجاه مأساة الشعوب الأصلية في القارة الأميركية واستراليا ونيوزيلندا، تلك الشعوب التي خَضَعت وتعرّضت لإبادة عنصرية قبل عدةِ قرون؛ حيث أسس أندريس أوبرادور معهد "الشعوب الأصلية" في تاباسكو بالمكسيك، وبدأ مسيرته السياسية في الحزب "الثوري الدستوري" للمكسيك (PRI). إنه فوز تاريخي لليسار بالانتخاباتِ الرئاسيةِ بالمكسيك، فوز قد يفتح الأبواب أمام تحولاتٍ إضافية في عددٍ من دول القارة الأميركية، التي تعيش تحت سقف بني وأنظمة قمعية تدور في الفلك الأميركي.
بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
05/07/2018
1829