+ A
A -
في عام506 قبل الميلاد قام الامبراطور انستاسيوس الأول، إمبراطور بيزنطة بتحصين المدينة من الغزو الفارسي، وإطلاق اسم انستاسيوبوليس عليها، وهو الاسم الذي قلما استخدمه أحد، ظلت تعرف باسم درعا، التي كانت تابعة سابقا لولاية دمشق ثم أصبحت عاصمة لحوران، السهل الخصب الممتد في القسم الجنوبي من سوريا. تعرف الويكبيديا اسم حورن بأنه اسم آرامي، ويعني الكهوف والمغاور، وهو شبيه بالمعنى العربي للاسم، حيث هو الملجأ والكهف، فالكهف عادة ما يختبئ فيه طالبو النجاة من الخطر، هو ملجأ للهاربين، هكذا منذ قديم الأزل وحوران هي الملجأ والكهف/ الحضن الذي يلم الجميع، وسهل الخير الذي لا يبخل بعطائه على أحد.
قبل سايكس بيكو، كان سهل حوران أرضا واحدة، لا حدود تقسم بين حجارته وترابه، ولا حدود تفرق بين سكانه، الجميع كانوا يعيشون في هذا السهل الخصب، عائلات متعددة ترتبط بعضها ببعض بنسب لا ينقطع، لم يكن ثمة حواجز حدودية بين سوريا والأردن وفلسطين، كانت كلها سوريا الكبرى، وكان سهل حوران يجمع بين الثلاثة دون أية فواصل، بعد الاتفاقية المشؤومة أصبح قسم منه في الأردن والقسم الآخر في سوريا، واقيمت الحواجز الحدودية، تدخلت الحسابات السياسية المصلحية، وصار السهل سهلين، بينما بقيت العائلات يتوزع ابناؤها بين القسم الأردني والسوري، وبقيت مرتبطة بأنساب قديمة ومتجددة لم تستطع السياسة قطع أواصرها أبدا.
في 2011 كانت درعا وريف حوران هي أول المناطق السورية التي تأثرت بالربيع العربي، حادثة اطفال درعا المشهورة التي حركت الراكد في سوريا، عنف النظام السوري أيضا بدأ من هناك، من حوران وريف حوران، فحين احتجت عشائر حوران وعائلاتها على التعامل الذي قوبلوا به من قبل النظام السوري، وخرجوا بمظاهرات تطالب بالعدالة والاقتصاص منه، قبل أن يصبح شعار إسقاط النظام تيمة المظاهرات السورية، كان في ظنهم وفي ظن السوريين جميعاـ أن النظام بشخص رئيسه سوف يقوم باستيعاب حالة الغضب الحوراني العارم، وسيتم عزل من تسبب بالكارثة من منصبه، وستحل القصة كلها بزيارة يقوم بها بشار الأسد إلى درعا، يقول أهل حوران: «كنا سنشعر أننا مواطنون وأن النظام يرانا كذلك»، لكن لا شيء من ذلك حدث، بل ما حدث هو العكس تماما، تم التنكيل بأهل درعا، وسقط الشهداء واحدا تلو الآخر، واستخدم النظام لأول مرة حصار التجويع ضد أهل درعا وريفها، وعوقب بالاعتقال والموت والقنص كل من كان يحاول مد يد المساعدة للمحاصرين، وكما امتدت شرارة الثورة من درعا إلى كل أرجاء سوريا، امتد إجرام النظام وعنفه ليشمل كل المناطق والمدن المحتجة والثائرة.
تشكل انطلاقة الثورة في درعا يوم 18 مارس، يوما مهما للسوريين الثائرين، واللافت أن قسما كبيرا منهم وضع على بروفايله الشخصي في الفيسبوك تاريخ ميلاده هو يوم 18 مارس، كدلالة على ولادة سوريا جديدة حلم بها الجميع، وظلت حوران ودرعا رغم كل الافتراقات التي حصلت في الثورة، محصنة إلى حد ما من الثورة المضادة التي نتجت عن التسليح العشوائي والأسلمة والكتائب الممولة من جهات مختلفة، رغم بعض الخروقات من قبل جبهة النصرة في ريف درعا، لكنها لم تؤثر كثيرا على مطالب الناس هناك بثورة تغيير حقيقية سياسية واجتماعية. ظل أهل درعا الثائرون بمختلف شرائحهم يحملون شعلة ثورة التغيير حتى آخر لجظة، وهي اللحظة التي أرادت لها روسيا بالتوافق الدولي القضاء على آخر بذور الثورة السورية، درعا وسهل حوران تقصف حاليا من الطيران الروسي والسوري معا، الدرعاويون محاصرون أو مضطرون لمغادرة بيوتهم هربا من الموت المحتم، ليس أمامهم سوى سهل حوران بامتداده الأردني، الأردن أعلنت أنها لن تفتح حدودها لاستقبال مزيد من اللاجئين، تشرد أهل السهل الطيب في أرجاء سهلم، جائعين عطشى مقهورين، تخلى الجميع عنهم، كدليل أخير على ما فعله العالم بسوريا وناسها وثورتها.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
03/07/2018
4700