+ A
A -
الفساد فعل إنساني منافٍ للخلق والدين يستقر في بيئة، فتصبح بيئة فاسدة وقابلة بالتالي للفساد، ليس هناك فساد دون مفسدين أو فاسدين، بالتالي هو انتهاك إنساني شرير أو لا أخلاقي يضرب منظومة المجتمع الديني والأخلاقية ويعيد تشكيل المجتمع على نحو خطير بحيث يصبح هو المنظومة الأخلاقية الوحيدة للتوافق مع المجتمع، والوسيلة الوحيدة للتمكين فيه، ولي هنا بعض الملاحظات:
أولاً: من الغريب أن تجد الدول الأقل تديناً في العالم، هي الدول الأقل فساداً على مؤشرات الفساد العالمية، الدنمارك، نيوزيلندا، السويد، فلندا، بينما تجد دولنا العربية والإسلامية الأكثر تديناً «كما ندعي» في قائمة الدول الأكثر فساداً، ليس هنا فقط الاعتماد على مؤشرات الأمم المتحدة والهيئات العالمية وإنما على كذلك على الغياب الواضح لوسائل الرقابة الدستورية والشفافية الإدارية.
ثانياً: كيف يمكن تفسير كثرة المساجد أو التسابق في إقامتها وإقامة الشعائر مع كثرة حالات الفساد العلني والمستتر.
هل هناك فهم للدين أياً كان نوعه يحتمل الفساد أو شكلاً من أشكاله أو يبرر له؟ هذا السؤال مهم جداً في مجتمعاتنا لا أجد جواباً شافياً له.. لكي نستطيع فهم هذا التناقض.
ثالثاً: تتحول القابلية للفساد في مجتمعاتنا إلى نمط سلوكي مقبول وشائع من خلال أمرين مهمين:
1- التقليد، يقلد الموظف مديره الفاسد،
ويقلد المدير وزيره الفاسد وهلم جرى.
2- يعفى المسؤول لفساده من الباب ليعود من الشباك، فعدم جدية العقاب وعدم شموليته جعل من ممارسة الفساد فرصة العمر دونما تكلفة باهظة، معتمداً على تجاوز المجتمع ونسيانه مع الوقت.
رابعاً: هشاشة مجتمعاتنا العربية أمام الفساد، امتدت بنا إلى اعتبار أن هناك هشاشة أيضاً للدين أمام الفساد «قبل ما تموت حج حجتين وابن لك مسجداً» والله غفور رحيم، بهذه السهولة والسطحية.
خامساً: قابلية المجتمع للفساد تقوى وتشتد عندما يغيب المثال، عندما لا يصبح هناك مثل يضرب في المجتمع للنزاهة والأمانة، فالمثال مهم وضروري، وفي غيابه يحدث التماثل وهو حالة للاختباء والاندراج مع القائم، خوفاً من العزلة والتهميش.
سادساً: كلما ازدادت قابلية المجتمع للفساد، قل شعوره بكينونته كمجتمع، لأن الشعور بالكينونة قيمة في حد ذاته، الفاسد لا يشعر بكينونته كإنسان شعوراً صادقاً، لذلك يتجه المجتمع إلى نهايته وزواله دون أن يشعر وفي التاريخ أمثلة كثيرة على ذلك، وقد قص القران قصصاً عظيمة تدل على أن الفساد إذا انتشر واستمرأه الناس ذهب بهم من حيث لا يشعرون.
سابعاً: خيار الفقر أو الفساد خيار صفري قاتل، وحاض على الفساد، لذلك تجد في دول العالم المتقدم أعلى أجوراً هم العاملون في مؤسسات مكافحة الفساد، لأن المجتمع يريد أن يحمي نفسه من الفساد، فرئيس القضاة في بريطانيا مثلاً يأتي قبل رئيس الوزراء ويتم تعيينه بطريقة تحله من الولاء لغير الدستور والنظام.
ثامناً: نحن نعيش الفساد كخيار بلا بديل، لذلك نكافحه ليس لاستئصاله بقدر ما نتخلص منه كجيل أو مرحلة ليأتي جيلاً أو مرحلة أخرى.
تاسعاً: يحدث الفساد في نفسية المجتمع العاجز عن مقاومته تغيراً نفسياً خطيراً، يتمثل في النفاق والحقد وهما أثران مدمران لأي تنمية.
لم أعجب عندما أرى الموظف يوغل في تكسير سيارة الحكومة، لأنها في نظره تمثل الفساد، لم أعجب عندما أرى الموظف لا يقوم بواجباته ويتهرب ويستغل أدواته استغلالاً سيئاً، لأنه يشعر بالفساد ولا يقدر عليه، فينتقم بعيداً عن الأعين، لا أعجب من مسؤول كبير يسرق ويرتشى في أول سنين تعيينه بأسرع ما يكون لأنه جاء إلى المنصب بعقلية عجزت من النفاق لتصل ولم يكن وعيها مثالاً يحتذى من المجتمع.
عاشراً: لم يشوه الفساد الاقتصاد فقط، بل شوه الدين لدى العامة أيضاً، وهناك شعور جمعي ربط الفساد في ذهنية المجتمع بتبرير، لذلك أصبحت هشاشة المجتمع أمام الفساد مركبة وأصبح أكثر ضعفاً، وكثيراً ما شهدنا أموراً معلقة تريدها الحكومات وشك المجتمع في حلتها ليأتي شيخ الدين ويحللها أو يبرر تحليلها للحكومة كالاكتتاب في الشركات المختلطة وغيرها، مثل هذه الأمور جعلت المجتمع في وضع لا يحسد عليه وفي حالة شك بين بناء دستوري يمكن الاعتماد عليه لم يكتمل وبين فتاوى دينية تريده التحرك سريعاً، وإلا سيفقد الفرصة والثروة والاستثمار المربح الذي عادة ما يخيب أمله فيها.
أحد عشر: أرجو أن يوفق الله كل من يحارب الفساد انطلاقاً من إنسانيته ودينه وحبه لوطنه، الفساد ليس سرقة شركة، فهذا أمر هين ويحدث في جميع المجتمعات، الفساد أن تُدمر الأخلاق وأن يُسوق الدين، وأن يصبح خيار المواطن بين دينه وأخلاقه من جهة، وبين ثرائه من جهة أخرى.

بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
01/07/2018
2904