+ A
A -
مازالت «قمة القرن» أو «قمة السحاب» بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي التي انعقدت في جزيرة سانتوزا السنغافورية في يونيو المنصرم محل اهتمام المحللين والمراقبين ولاسيما في واشنطن والعواصم الآسيوية المعنية مباشرة بنتائجها وتداعياتها مثل بكين وسيئول وطوكيو.
فالبعض قال إن بيونغ يانغ حصلت على الكثير، مثل الاعتراف الأميركي بنظامها الديكتاتوري وضمان أمنه، فيما لم تعط بيونغيانغ في المقابل سوى الوعود التي يمكن أن يتراجع عنها زعيمها غير مضمون الجانب.. ولتأكيد رأيه، عرج هذا البعض على تغريدة ترامب التي قال فيها إنه «حل المشكلة»، فكذب مضمونها، مشيراً إلى البيان المشترك للقمة والذي جاء «قصيراً وغامضاً، ولم يتعد عدد كلماته الـ391 كلمة».
والبعض الآخر قال إن ما يحسب لواشنطن هو نجاحها في أبعاد تهديدات بيونغ يانغ عن الأراضي الأميركية وأراضي حلفائها في كوريا الجنوبية واليابان، والتي كانت كابوساً على مدى سنوات كان خلالها «كيم جونغ أون» يتوعد ويهدد يومياً بإطلاق صواريخه الباليستية والنووية عليها، مضيفاً إلى ذلك نجاح الرئيس ترامب في اختراق جدار صلب، وبناء علاقات شخصية مع زعيم الدولة الستالينية.
والبعض الثالث انتقد القمة، لأنها كانت قصيرة وانفضت دون الاتفاق بدقة على مجموعة من القضايا الملحة التي انعقدت أساساً من أجلها.. فهي وإن شهدت التزاماً من الجانب الكوري بالسعي إلى إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، فإنها لم تشهد مثلاً وضع جدول زمني للتنفيذ أو تحديد آلية للتحقق من ذلك الالتزام.. كما أن الطرف الكوري الشمالي لم يتطرق إلى التزام مشابه حول صواريخه الباليستية، ولم يلزم نفسه بإجراء إصلاحات اقتصادية على الأقل أو يتعهد بتوقيع معاهدات سلام شاملة ونهائية مع سيئول وطوكيو.
كل هذه التفاصيل والملفات مهمة بطبيعة الحال، لكني شخصياً أميل للرأي الذي طرحه أحد الزملاء المصريين ومفاده أن القمم الكبرى التي تشكل منعطفاً تاريخياً في مصائر الأمم والشعوب مثل قمة سانتوزا ومن قبلها قمة كامب ديفيد يجب فيها «تعظيم المكاسب بقدر ما هو ممكن، وتقليل المخاطر بقدر ما هو متاح».. وبكلام آخر يجب الاتفاق على العناوين الكبيرة، مع ترك التفاصيل الدقيقة لفرق من الدبلوماسيين والمتخصصين الذين يجتمعون لاحقاً في جولات مكوكية لإنجاز ما لم يتم إنجازه.. ذلك أن الانشغال بالتفاصيل وهي كثيرة ومتراكمة منذ انتهاء الحرب الكورية كان سيطيل مدة القمة ويبعث في وفودها الملل والضجر الكفيلين بإخراجها عن أهدافها الرئيسية المتمثلة في التعارف وبناء الثقة قبل كل شيء.
وطالما تطرقنا إلى الإنجاز ففي رأيي المتواضع أن عقد القمة هو في حده ذاته إنجاز كبير، لأنه تغلب بشجاعة على ما كان بين طرفيها من عداء مرير وتناقض أيديولوجي.
وبغض النظر عما في الضمائر فإن قمة سانتوزا غيرت المشهد في شمال شرق آسيا كليا، وربما ستغيره أكثر فأكثر في القادم من الأيام نحو الأفضل إذا ما صدقت النوايا والتزم الطرفان بأهداف إشاعة الأمن والاستقرار والسلام والتنمية في المنطقة بدلاً من نشر الخراب والدمار وإشاعة أجواء الحرب.
والأمل هنا معقود ليس على نظام بيونغ يانغ وحده وإنما أيضاً على حليفتها الوحيدة وهي الصين.. فالصينيون الذين حموا آل كيم، ووضعوا الكثير تحت تصرفهم للإفلات من العقوبات الأممية والأميركية لا يسرهم أن تنشأ علاقات قوية طبيعية بين بيونغ يانغ وواشنطن، خصوصاً أن الأخيرة تعمل لمحاصرة النفوذ والتمدد الصيني في آسيا بكل السبل، وبالتالي فإن كوريا الشمالية تمثل لبكين ورقة مهمة في أي مفاوضات أميركيةــ صينية.. وبالمثل لا تسر الصينيين فرضية أن تبدل بيونغ يانغ جلدها الاقتصادي باستلهام النموذجين الكوري الجنوبي والياباني.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
01/07/2018
1844