+ A
A -
منذ شهور، تطل علينا «صفقة القرن» كل يوم، وتملأ شاشاتنا وصحفنا بأخبارها وأخبار مدبريها ومسوقيها وجولاتهم المكوكية. وتصدع رؤوسنا بارتياباتها... لكننا لا نعرف بعد عن مضمونها وتوقيتها ومسارها شيئا!
عناوين ونثرات ومقتطفات ومعلومات متناقضة عنها من هنا وهناك، من دون ان نرى وثيقة توضح خطوطها العريضة أو نسمع فكرة واضحة وشافية عن بنودها والاسرار. صارت اشبه بنص مفكك على القارئ ان يملأ فراغاته بالفقرات المناسبة.
يقولون انها خطة أميركية شاملة تنهي الصراع الذي فشل الجميع في حله، وتمهد في الوقت نفسه لاقامة تحالف عسكري وأمني وسياسي واسع يضم بعض العرب وإسرائيل، لمواجهة «العدو المشترك» إيران.
لم يصدر عن راعي الصفقة، دونالد ترامب، أي اشارة عن صفقته الجديدة، ولم يتصيد الاعلاميون أي توضيح مفيد من محرك الصفقة، جاريد كوشنر، رغم جولاته الكثيفة في المنطقة.
وهكذا بقيت المعلومات الجزئية والمتناثرة عنها حكراً على الإعلام الإسرائيلي الذي «طمأننا» بأن التطبيع آت، وان الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة ستبقى إسرائيلية، في مقابل تحسين الاوضاع الاقتصادية لمن تبقى من فلسطينيين.
اما الشكاكون، فيقولون ان جوهر الصفقة استئجار وطن بديل للفلسطينيين في وسط سيناء بموافقه عربيه ومصريه، وإخلاء فلسطين من سكانها الاصليين، وان بيع جزر الصنافير وتيران ومشروع نيوم السعودي هما ايضا جزء من هذا المخطط. وفي المقابل اقامة مشاريع وفرص عمل بمليارات الدولارات لاستقطاب الفلسطينيين لهذه الاراضي البديلة في سيناء.
وقد ينتهي السيناريو بالاخلال بالوعود لدعم هذا الوطن البديل، ومن ثم يجد الفلسطينيون انفسهم محاصرين في الصحراء بلا وطن وبلا خدمات.
قيل وسيقال الكثير، وليتكتموا ما شاؤوا عن خطتهم، ولا حاجة للتنبؤ بماهيتها، فهي حتما من نسج إسرائيل ومن صنيعتها. وإسرائيل لا تخفي سرا هي تريد ارضا بلا شعب يضيق عليها، وامانا من محيط عربي لا يعكر عليها استقرارها وعدوانها.
ومن اجل تحقيق هذا الهدف، لن تجد افضل من الظرف والفرصة المتاحين حاليا: الانقسام الفلسطيني في ذروته، الانبطاح العروبي في اعلى تجلياته، الفوضى والتكالب على المنطقة في عزه، صلف اليمين الإسرائيلي في اعتى صوره، وفي البيت الابيض حاكم لم يكتف بسلب القدس هويتها، بل يرفض وجود كلمة فلسطين ويتمنى لو تشطب من الكتب السماوية.
ولأنها مشروع تسوية أمر واقع فإن علاقة قوية تربط ما بين صفقة القرن والانقسام الفلسطيني والإفشال المُتعمد للمصالحة، والرفض الفلسطيني الرسمي المُعلن للصفقة مثله مثل التهوين بها والقول انها مجرد فزاعة أو ولِدت ميتة، لن يوقف مسار المشروع إن اقتصر على التجاهل، فالرفض دون استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة الصفقة قد يؤول إلى قبول ضمني، وقد يخرج طرف فلسطيني يدعو إلى «الواقعية» والى التعامل «الايجابي» مع الصفقة كي «لاتضيع فرصة جديدة».
وقد نشهد مؤتمرا جديدا على شاكلة مؤتمر مدريد 1991 لتمرير التطبيع مع إسرائيل والتخلي عن المبادرة العربية للسلام وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، يتبعه اتفاق جديدة على شاكلة اتفاق أوسلو يتنازل بموجبه الطرف الفلسطيني عن حق العودة والحق في القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية. وفي حال عدم التجاوب قد تمرر الصفقة عن طريق حرب مدمرة تقضي على آخر مواقع المقاومة وتؤدي إلى تهجير نحو سيناء وتستدعي ارسال قوات دولية تمهد لفرض واقع جديد.
وفي كل الحالات فإن هذه الصفقة لن تنهي الصراع أو تحقق السلام حتى وإن طبلت لها بعض الانظمة العربية، وقد يكون مصيرها مصير اتفاقات مدريد وأوسلو وتستمر لعقود مع إدارة جديدة للصراع.
فالعائق الوحيد ليس فقط ان الفلسطيني لا ينسى ارضه ووطنه، بل لأن العنصرية المتفشية بين بعض العرب ستظل ترفض توطين الفلسطينيين. وطالما ان الفلسطيني بلا وطن ستظل عينه وقلبه على فلسطين.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
29/06/2018
2101