+ A
A -
- 1 -
قبل يومين، كُنتُ ضيفاً على قناة الجزيرة في نشرة الرابعة عصراً.. كان محور الحلقة عن مفاوضات السلام التي تبتدرها منظمة الإيقاد في العاصمة الإثيوبية، لإنهاء الصراع في دولة جنوب السودان.
قلتُ إن المحاولة الأميركية لفرض السلام في الدَّولة الناشئة، عبر عصا العقوبات، لن تُجدي ولن تُثمر، ليس ذلك من باب التشاؤم ولمن من وحي الوقائع والسوابق.
دبلوماسية العصا المرفوعة التي يُمارسها دونالد ترامب في سياسته الخارجية، لم تُحقِّق نجاحاً على أيِّ مستوىَ وفي أيَّ دولة.
ها هو ترامب يجد نفسه مُضطرَّاً للجلوس مع رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ، رغم أن ترامب بادر بالتلويح بالعصا في وجهه.
ورغم تهديداته ووعيده الدَّاوي لبشَّار الأسد، لم يفعل ترامب في سوريا سوى ضرباتٍ خاطفة، لم تُغيِّر في الأوضاع على الأرض، ولم تُؤثِّر على المواقف.
وأعاد العقوبات على إيران، فلم يَحْظَ بتأييدٍ ومساندةٍ من أقرب حُلفائه.

- 2 -
الآن تسعى حكومة ترامب، لتحقيق سلامٍ بدولة الجنوب، عبر التَّلويح بعصا العقوبات.
ما يغيب عن ترامب، أن الأزمة في دولة الجنوب عميقة ومُعقَّدة، والحلول المُقترحة من دول الإيقاد- وكلاء أميركا في المنطقة- سطحية وساذجة.
لعلَّ أولى العوامل التي يمكن أن تتسبَّبَ في انهيار ما ينتج عن لقاءات سلفاكير ومشار بأديس أبابا، أن الطَّرفَين يحضران تلك اللقاءات مُرغمَين، وسيف الضغوط والعقوبات مسلط على رؤوسهم، بفعل التهديدات الأميركية أو محاصرة دول الإيقاد.
دول الإيقاد صرَّحت قبْل بداية لقاء الغريمين، بأن السَّلام في دولة الجنوب سيُفرض بالقُوَّة..
قد يتحقَّقُ سلامٌ مُؤقَّتٌ تحت التهديد، ولكن سرعان ما سينهار كما حدث في المرَّات السابقة، لغياب الإرادة السياسية في تحقيق السلام بين الطرفين الرئيسين في الصراع..
طلقة طائشة، أو تصرُّفٌ مُتهوِّرٌ لجنديٍّ مخمور، سيُعيد إنتاج المأساة للمرَّة الثالثة.

- 3 -
ما لا تفهمه أميركا ترامب ووكلاؤها في المنطقة، أن الخلاف ليس على المقاعد ونسب التمثيل فقط، هو خلاف قديم تغذيه مرارات صراعات قبلية سابقة وأساطير وخرافات..
أكثر من مائتي ألفٍ كانوا ضحايا حرب ضروس استمرَّت لأكثر من أربع سنوات، حرب على مقاعد السلطة والنفوذ تؤجج نيْرها الخرافات والأساطير.
ما ظلَّ يدفع رياك مشار بحماس نحو كرسي الرئاسة بدولة جنوب السودان وجود نبوءة شهيرة لزعيم قبيلته (قبيلة النوير)، ويُدعى (نيقدينق) والتي تؤكد أن رئيساً مُفرَّق الأسنان سيحكم دولة الجنوب.
وسلفاكير تحركه هو الآخر، خرافاتٌ أُخرى مُتعلِّقة بالعصا التي يحملها والقبعة السوداء التي لا تُغادر رأسه، المليء بالوساوس والظنون.

- 4 -
هناك أكثر من جيش، وأكثر من فصيل عسكري.. ومن الصعوبة جمعهم تحت راية واحدة، دون أن يكون هناك عملٌ مُكثَّفٌ طويل المدى، يجعل من وحدتهم أمراً ممكناً وقابلاً للاستمرار.
تعدُّد القوات الموجودة بدولة الجنوب، يُعيد للأذهان اشتباكات جوبا، إبَّان وجود قُوَّات مشار فيها في يوليو 2016م، وما ترتَّبَ عليها من قتلٍ وتشريد. وقطع مشار مئات الكيلومترات إلى حدود الكونغو، هرباً من القتل.
من العوامل التي يُمكن أن تقود للفشل والانهيار، كثرة الأيدي العاملة لصناعة طبخة السلام.
وجود العديد من الأطراف الإقليمية ذات المصالح المُتقاطعة في جنوب السودان، كُلُّ طرفٍ يرغبُ في أن تكون يده هي العليا.

- 5 -
الأمر الذي يجعل السلام في الجنوب ليس شأناً داخلياً فحسب، وإنما يعتمد أيضاً على إرادة دول الإقليم في تحقيق هذا السلام، بإبعاد أجندتها لصالح استقرار الجنوب.
المجتمع الدولي الذي دعم بقوة خيار انفصال جنوب السودان عجز عن منع تجدُّد الحرب في الدولة الوليدة عدَّة مرَّات، وربما سيعجز كذلك عن الحفاظ على السلام الجديد الذي سيتحقَّق، طالما كان سوء الظن قائماً، والأساطير لا تزال تتحكَّم في الواقع وترسم معالم المستقبل.

-أخيراً-
الحلُّ الوحيدُ الذي يضمن عدم تجدُّد الحرب مرَّة ثالثة، أن يكون اتفاق السلام هذه المرَّة محروساً دوليَّاً بقوَّات عسكرية قادرةٍ على الرَّدع وحماية الطرف الأضعف لفترةٍ زمنيةٍ يتمُّ خلالها نزع الألغام من النفوس قبل نزعها من الأرض.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
24/06/2018
2178