+ A
A -
بدا كيم جونغ أون في سنغافورة أشبه بساحر يخرج أرنبا من قبعته. جعل المستحيل ممكنا عندما نجح في كسب دونالد ترامب شريكا له في إعادة رسم صورة بلاده الفقيرة والمرهقة بالاستبداد، كمشروع استثماري حديث. لم يكلف نفسه الكثير من العناء، اكتفى بإطلاق وعود مبهمة بـالعمل نحو نزع السلاح النووي لبلاده، وتمكن من إقناع رئيس أكبر دولة في العالم بوصف الإعلان الواهن الصادر في نصف صفحة فقط عن القمة بأنه اتفاق «شامل للغاية».
لم يقدم سوى القليل للغاية من التنازلات العسكرية في مقابل حصوله على الاعتراف العلني من أقوى دولة بالعالم. الأهم من ذلك أنه حصل بأقل تكلفة، على تعهد من الولايات المتحدة بوقف التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، الأمر الذي يقوّض أكبر رادع يواجهه نظامه.
ومن يدري، ربما يؤدي هذا الاتفاق إلى نزع تسليح كامل، ويمكن أن يمهد الطريق إلى توقيع معاهدة سلام دائمة بين الكوريتين على خلفية التطبيع المتوقع للعلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، فيسدل الستار بذلك نهائيًا على حقبة مريرة دامت 68 عامًا تخللتها الحرب الكورية البشعة التي أودت بحياة نحو مليوني كوري وشردت ملايين آخرين منهم، إضافة إلى جرح نحو مئات الآلاف من القوات الأممية. كما تخللتها حروب دعائية وجاسوسية وملاحقات ومطاردات وقلق دائم من عودة الحرب وتهديدات مستمرة بالغزو والاجتياح.
ما حصل في ألمانيا بعد سقوط جدار برلين صار ممكنا في شبه شبه الجزيرة الكورية. ورغم أن عملية التوحيد تعتريها صعوبات كثيرة نظرا إلى الأوضاع المحلية والإقليمية المعقدة التي ترسخت خلال أعوام التقسيم، فإن الجمع المحتمل لجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية، وجمهورية كوريا، والمنطقة الكورية منزوعة السلاح تحت إدارة حكومة واحدة من شأنه أن يقلب توازن القوى في المنطقة رأسا على عقب.
كوريا الجنوبية هي حاليا قوة اقتصادية كبرى. سيوفر التوحيد إمكان الوصول إلى عمالة رخيصة وموارد طبيعية وافرة في الشمال، والتي إذا جمعت مع رأس المال والتقنية المتوافرين في الجنوب، يمكن بعث نمو عسكري واقتصادي ضخم. وتتوقع مراكز الأبحاث المحترمة أن اقتصاد كوريا الموحدة سيتجاوز الاقتصادين الفرنسي والألماني وربما الياباني بحلول 30 أو 40 عامًا، قياسًا علي قيمة الناتج القومي الإجمالي. كذلك فإن الجمع بين خامس وسادس أكبر القوات المسلحة، سوف يخلق ثاني أكبر قوة مسلحة في العالم (بعد الولايات المتحدة) بعد دمج ترسانة الأسلحة النووية والكيميائية الوفيرة من كوريا الشمالية والعسكرية المسلحة ذات التطوير التكنولوجي العالي من كوريا الجنوبية.
التوحيد ممكن رغم الصعوبات التي تعترضه نظرا للاختلافات السياسية والاقتصادية بين البلدين وبين الفاعلين الإقليميين مثل الصين، الولايات المتحدة واليابان. ومن المؤكد أن الطريق إلى توحد الكوريتين سيستغرق وقتاً طويلاً نسبياً بسبب أن كوريا الجنوبية قد ترى أن كلفة فاتورة الوحدة مع كوريا الشمالية مكلّفة في تحول اقتصاد كوريا الشمالية إلى اقتصاد السوق مثلها، وإعادة وتحديث بناء البنية التحتية فيها، والتجربة الألمانية ماثلة أمامها، إذ كلّفت ألمانيا الغربية أموالاً طائلة في تحديث وتطوير اقتصاد ألمانيا الشرقية. وقد لا تكون لدى الزعامات الكورية الجنوبية قيادات وشعب مستعد في الوقت الحاضر للتضحية، أمثال هيلموت كول وشعب ألمانيا الغربية.
وكما أثارت الوحدة الألمانية تحفظ بعض القيادات الأوروبية ومخاوفهم حينها لاسيما في فرنسا وبريطانيا، من إمكان هيمنة ألمانيا الموحدة وسيطرتها على الاتحاد الأوروبي بثقل كثافتها السكانية حينها، فالمخاوف نفسها قد ترتاب اليابان وحتى الصين لأسباب مختلفة، أن تتوحد قوة اقتصاد كوريا الجنوبية مع القوة النووية التي لدى كوريا الشمالية فتندمجان في دولة واحدة سيؤدي ذلك حتماً إلى وجود عملاق آسيوي جديد في شبه الجزيرة الكورية.
ألمانيا توحدت وغيرت بتوحدها أوروبا والعالم. كوريا قد تتوحد وتغير بتوحدها وجه آسيا ومستقبلها السياسي والاقتصادي، أما نحن فتترسخ لدينا عقدة من كلمة وحدة وموحدة. السودان كان واحدا صار سودانين. اليمن توحد وها هو يبحث عن التجزئة من جديد، مثله في ذلك مثل ليبيا والعراق وسوريا.. حتى أطر الجمع والتعاون لم نعد نستسيغها. مجلس التعاون الخليجي يصر بعض أهله على نحره على مذبح الخلافات، والمجلس المغاربي معطل منذ ولادته، والجامعة العربية تفرق ولا تجمع.

بقلم : أمين قمورية
copy short url   نسخ
22/06/2018
2082