+ A
A -
في منتصف ليل الأول من يونيو 1962– أي قبل 54 عاماً – نفذت اسرائيل حكم الإعدام شنقاً بالضابط الألماني أدولف إيخمان.
جرت محاكمة سرية لإيخمان استمرت أربعة اشهر، وصدر الحكم بإعدامه شنقاً. غير ان إيخمان وجه رسالة باللغة الألمانية إلى الرئيس الاسرائيلي في ذلك الوقت بن زفي، مؤرخة في 29 مايو 1962 طلب فيها تدخله لإعادة النظر في الحكم. وبرر إيخمان طلبه بقوله: «لم أكن مسؤولاً أو صاحب قرار.. وبهذه الصفة فأنا لست مذنباً بما نسب إليّ من أعمال». كذلك فإن زوجته «فيرا» أرسلت برقية– باللغة الألمانية أيضاً- إلى الرئيس الاسرائيلي قالت فيها: «انني كزوجة وأمّ لأربعة أطفال، أرجو انقاذ حياة زوجي».
ولكنها لم تتلقَ أي رد على برقيتها. كل ما حصلت عليه هو السماح لها بزيارة زوجها في سجنه قبل شهر من إعدامه.
منذ ذلك الوقت طرحت قضية إيخمان السؤال التالي: هل يعتبر العسكريون الذين ينفذون أوامر سياسية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، مجرمين حقاً.. أم ان المجرم الذي يجب أن يُعاقب هو صاحب القرار وحده؟
انبثق هذا السؤال من سؤال آخر، وهو: ماذا لو رفض العسكري تنفيذ الأوامر المعطاة اليه من جهات عليا؟ ألا يعتبر رفضه تمرداً؟ ثم ألا يعتبر المتمرد في هذه الحالة خائناً ويحكم عليه بالموت؟
الذي حدث مع إيخمان كما قال هو في رسالته إلى الرئيس الاسرائيلي، انه تأثر بما كان يحدث. فطلب نقله إلى موقع آخر. وان هذا الطلب كان أقصى ما يمكن أن يقوم به في اطار التزامه بالتراتبية العسكرية. الا ان طلبه رُفض. وقد فسر في رسالته طلبه بالانتقال إلى مركز آخر بأنه تعبير عن عدم موافقته أو على الأقل عن عدم رضاه عما كان يحدث.
إلا أن الرئيس الاسرائيلي بعث برسالة رسمية إلى وزير العدل في ذلك الوقت استشهد فيها بآية من التوراة لتبرير رفض طلب إيخمان اعادة النظر في الحكم عليه بالإعدام.
والرسالة التي طبعت باللغة العبرية ومؤرخة في 31 مايو – 1962 تقول أيضاً: «بعد دراسة طلب الاسترحام الذي قدمه ادولف إيخمان، وبعد النظر في جميع الأدلة التي قدمت اليّ، وصلت إلى الاستنتاج بأنه لا يوجد أي مبرر لمنح ادولف إيخمان العفو أو حتى تخفيف الحكم الصادر بحقه».
وفي اليوم التالي مباشرة نفذ حكم الإعدام. لم تكشف هذه الوثائق عن إعدام إيخمان الا بعد مرور 50 عاماً عليها. وقد عثر على رسالة الرئيس الاسرائيلي بالصدفة. ولم تكن محفوظة في ملف القضية.
ولكن الاستنتاج الذي وصل اليه الرئيس الاسرائيلي وقبله المحكمة الاسرائيلية لم ينطبق على ارييل شارون وزير الحرب الاسرائيلي المسؤول المباشر عن مجزرة المخيمين الفلسطينيين صبرا وشاتيلا في ضاحية بيروت، والتي ذهب ضحيتها المئات من اللاجئين الفلسطينيين!.
كان شارون يقف فوق تلة مشرفة على المخيم وهو يراقب بالمنظار مشاهد القتل العشوائي لكل كائن حي في المخيم من رجال ونساء وأطفال وحتى من حيوانات. وخلافاً لإيخمان، لم يكن شارون ينفذ تعليمات أعطيت اليه، بل انه كان هو صاحب التعليمات.
وأكثر من ذلك، تؤكد الوثائق الرسمية الاسرائيلية ان شارون خالف التفاهم الاسرائيلي – الأميركي بأن تقتصر عملية اجتياح لبنان على احتلال المناطق الواقعة إلى الجنوب من نهر الليطاني فقط.. ولكنه فاجأ حتى رئيس الحكومة مناحيم بيغن، والإدارة الأميركية عندما واصل الزحف حتى بيروت للانتقام من أهل المخيم الفلسطيني.
فلماذا حوكم إيخمان على جرائم أشرف على تنفيذها بأوامر صدرت اليه.. ولم يحاكَم شارون على جرائم مماثلة كان هو من أصدر الأمر وأشرف على تنفيذها؟
وبعد شارون، جرت محاكمة مجرمي حرب كان آخرهم ميلوسوفياتش الذي اشرف على المجزرة التي ارتكبت بحق المسلمين في مدينة «سيبرنيتشا» في البوسنة. وهو يقضي الآن عقوبته في السجن. وجرت كذلك محاكمات لمجرمي حرب من افريقيا ومن أميركا الجنوبية. وحدها اسرائيل تعامَل على انها فوق القانون الدولي. وهو ما يشجع عسكرييها على ارتكاب الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون اليوم في القدس والخليل وفي سواهما من مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة.
فالحاخام اليهودي الذي قاد مجموعة مسلحة أودت بحياة العشرات من المصلين الفلسطينيين في الحرم الابراهيمي في مدينة الخليل اعتبر بطلا قومياً في اسرائيل.. وليس مجرماً مثل إيخمان. وفي الشهر الماضي فإن الجندي الاسرائيلي الذي قتل بدم بارد جريحاً فلسطينياً كان ملقى على الأرض في أحد شوارع القدس، اعتبر عمله واجباً وطنياً.
بقلم : محمد السماك
copy short url   نسخ
02/06/2016
2628