+ A
A -
يبدو سؤال الشعر العربي في زمننا الحالي، أحد الأسئلة الثقافية والإبداعية الكبيرة، التي ما تزال تؤرق الشاعر نفسه أكثر مما تؤرق متلقي الشعر متنوع الذائقة، ما الذي يمكن أولا أن تقدمه القصيدة أو الشعر عموما لقارئ عربي، يعيش في أسوأ ظرف يمكن أن يمر على حياة البشر، فعدا الحروب والموت والقتل والدمار والتشرد، هناك الانهيار الاقتصادي والفقر والجوع والجهل والأمية التي تزداد يوما بعد يوم، وهناك التطرف وتغييب العقل والإصرار الممنهج على التبعية الفكرية التغييبية، وهناك الاستبداد بكل أنواعه، والغياب التام للديمقراطية والحريات العامة والفردية!
وثانيا، ما هي المواضيع التي يمكن أن تطرحها القصيدة العربية، كي تجذب قارئا، ملولا أصلا، والقراءة له هي نوع من أنواع الترف الحياتي، عدا عن كون يومه ممتلئا باللهث وراء لقمة العيش وتدبير الحال والعيال، مما يجعلنا أيضا نتساءل حول اللوم الذي يوجه للعرب أنهم أمة لا تقرأ، فالقراءة، إن لم تكن فعلا ترفيا بل حاجة ضرورية لزيادة الوعي والانفتاح على العالم، لكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى بيئة مناسبة لتتطور وتصبح جزءا رئيسا من تفاصيل اليوم للمواطن العربي، كيف سنطالب شخصا بالقراءة ونتهمه بالتقصير في هذا المنحى المهم، لا شيء في محيطه أو تنشئته وبيئته يساعده على الاهتمام بهذا الفعل الحيوي كي يصبح جزءا من عاداته؟! فلا بلادنا تهتم بصناعة الكتاب وترويجه، ولا هي تهتم بتنشئة الأطفال في المدارس على وعي أهمية القراءة، عدا عن عدم اهتمامها بالتعليم ككل أساسا، عدا أيضا عن أن فعل القراءة لغير القرآن والنص الديني هو فعل زندقة ومروق لدى شرائح واسعة من العرب، ويساهم تغييب العقل النقدي لصالح العقل التسليمي في تكريس هذه الرؤية إلى حد كبير، كما أن الشعر، الحديث منه على وجه الخصوص، ما زال حتى هذه اللحظة محاربا من المؤسسات الثقافية العربية التقليدية، التي ترى في التجديد مسا بالمقدس، وتتعامل مع الشعر الكلاسيكي بوصفه مقدسا كونه كان تراثا سلفيا.
وبالعودة إلى سؤال الشعر، ذات يوم سئل الروائي الكولومبي الشهير غابرييل غارثيا ماركيز السؤال التالي: «لماذا لا تكتب عن الفقراء ومشاكلهم وأنت تعيش في بلاد تعج بالأزمات الاقتصادية والفقر؟» فرد ماركيز بما معناه: «لماذا سأكتب للفقير عن معاناته وهو يعرفها أكثر مني؟! واجبي أن أقدم له بعض المتعة والجمال لو أتيح له أن يقرأني»! بهذا المعنى الشديد البساطة والعمق في آن، لخص ماركيز دور الأدب والرواية، وربما يمكننا استعارة رأي ماركيز لنطبقه على الشعر العربي اليوم، فما هي المواضيع التي يمكن للشعر العربي أن يكتبها اليوم في ظل كل ما يحدث؟! مهما حلق الشاعر بخياله لن يستطيع الوصول إلى ربع هول الواقع وكارثيته، حتى الصورة الآن بكل تقنياتها الحديثة، لا تعبر ولا تستطيع التقاط حقيقة ما يحدث وما يجري في بلادنا كلها، من محيطها إلى خليجها، فكيف سيستطيع خيال الشاعر نقل الحدث؟! هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إذا اتفقنا على أن الشعر الذي لا يحمل قضية هو شعر مفصوم عن الواقع، ألا يمكننا اعتبار الأثر السلبي للحالة الكارثية العربية على العرب عموما وعلى الشعراء خصوصا هو قضية بحد ذاتها؟! ألا يعتبر الحديث عن الوحدة والخوف والاغتراب والعزلة والحاجة إلى الحب هو قضية أساسية؟! هل نقل الواقع إلى النص الشعري يجعل من الشاعر صاحب قضية؟ وهل الحديث عن الحرية ونحن مكبلون بالحزن والخوف والقهر يجعل منا شعراء قضايا؟! سؤال أخير أيضا، لا أظنه سيحسم في بلادنا في قريبا: لماذا على الشعر أن يكون حاملا للقضية، مهما كانت؟! لماذا لا يكون حاملا للجمال والمتعة فقط؟!
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
19/06/2018
3107