+ A
A -
الهجرة في جيناتهم- منذ أن كانوا- لكن في جيناتهم أيضا حنين غلاّب، إلى الوطن.
تراهم، يفرون.. لا يأبهون بمخاطر الدروب التي يغطيها الرمل، ولا يأبهون إلى غدر الأمواج وللرياح صرير، ولا يلقون بالا إلى تجار البشر، لكنهم.. أول ما تطأ أقدامهم اليابسة الحلم، يروحون يحلمون بتذكرة إياب إلى إريتريا في عز المطر!
هُم هكذا، لكأنما يريدون أن يغتسلوا في الوطن، من جرثومة الفرار.. جرثومة الغياب.. جرثومة التنكر، ولو إلى حين!
إريتريا، الآن.. سحاب يشيلُ، برق يبرق. رعد يُرعد، ومطر.. وإريتريون، من كل فجاج الدنيا، في أسمرا.. وأسمرا، مدينة تغتسل بالمطر، وهي تحتفل بيوبيل تحريرها الوطني!
الشعوب، تغتسل بالاستقلال، من كل أوساخ الاستعمار.. والاستعمار أشكال وألوان.. وهو يأخذ شكلا خفيا، بعد الاستقلال ذلك الذي يجسده رفرفة العلم!
شعوب كثيرة استقلت، وما استقلت.
شعوب كثيرة لا تزال ترزح تحت نير الاستعمار في شكله الخفي.
شعوب كثيرة، امتلكت العلم، ولم تمتلك القرار.. ولم تمتلك الإرادة: إرادة أن تقول لا!
الإريتريون، اغتسلوا أيضا، من أوساخ الاستعمار الجديد.
امتلكوا إرادة أن يقولوا لا، بالفم المليان، للتدخل في شؤونهم الداخلية. امتلكوا إرادة أن يقولوا لا للمعونات الأجنبية المشبوهة، وفي الذاكرة جملة للرئيس أسياس أفورقي عن هذه المعونات: إنها حين تأتي تأتي، وفي بال الذين يرسلونها نوع من الضغوطات، بإيقافها إذا لم ولم ولم.. وهي حين تأتي، ستعلم شعبنا نوعا من الكسل، ونوعا من التواكل، والاتكال على الآخرين!
ذلك نوع من الفهم الثوري، الذي يليق بقائد يريد أن يربي في شعبه، مفاهيم الاعتماد على الذات، برغم الفقر المادي.
أسوأ أنواع الفقر، هو فقر الروح.
الروح التي ليست فيها الشجاعة الكافية، لمقابلة الفقر المادي، هي الروح المتسولة.
الإريتريون، أرواح عفيفة. أرواح عالية، مثل أعلى جبل في إريتريا، كان يقف عليه مقاتل، خلال حرب التحرير، ليصطاد طائرة من طائرات الإمبراطور هيلاسلاسي، ومن بعده منقستو هايلي مريام.. يصطادها فقط، ببندقية عتيقة!
انتصرت البندقية، على أضخم سلاح طيران قتالي في إفريقيا. غلبت القلة الكثرة، المدججة بكل أنواع الأسلحة.
السلاح وحده، لا يحقق نصرا.
الروح القتالية، هي التي تحقق الانتصارات، انتصارا من وراء انتصار،
الإريتريون، روح قتال. ها هم الآن، يقاتلون كل محاولات الاستغلال، بذات روح الثورة تلك التي انتصرت على الإمبراطورية الإثيوبية.
ها هم الآن، يتجمعون في إريتريا، تحت المطر، والمزيكا تعزف النشيد الوطني، في الخامسة والعشرين للانتصار المجيد.
المطر، في إريتربا- هذه الأيام- يأخذ شكل الروح العفيفة.. يأخذ شكل الثورة.. يأخذ شكل الشهيد حين يسقط وقلبه على التراب.
يا لتراب إريتريا، حين ينزلُ المطر!

بقلم : هاشم كرار
copy short url   نسخ
02/06/2016
1097