+ A
A -
• قرأت في مجلة شبه متخصصة مقالة لكاتبة متعددة الاهتمامات، وأزعجني أنني وجدت في مقالتها أخطاء نحوية كثيرة، وتساءلت: لماذا ألغت كثير من «الدوريات» وظيفة المدقق اللغوي؟ من أخطائها الفادحة مثلاً قولها «هي ابنة شيخ القبيلة ذو الأصل العريق» ونسيت أن «ذو» من الأسماء الخمسة التي ترفع بالواو، وتنصب بالألف، وتجرّ بالياء، وبما أنها في موقع صفة لشيخ القبيلة كان يجب أن تكون «ذي».. وقالت «لم أكن سوى فتى فقيراً» وكان يجب أن تعرف أن ما يأتي بعد «سوى» مجرور دائماً، وبالتالي تكون «فتى» مجرورة، و«فقير» صفة لفتى، أي مجرورة أيضاً، «بل أننا» يجب أن تكون «بل إننا» و«نزحنا للمدينة» يجب أن تكون إلى المدينة، ووجدتها تستشهد بمجموعات من أبيات الشعر أولاها مجموعة أبيات للمجاهد الأمير عبدالقادر الجزائري، والثانية أبيات من قصيدة قالتها ميسون بنت بَحدل زوجة معاوية بن أبي سفيان وأم ولده يزيد ومطلها:
لـَبيتٌ تخفق الأرواح فيه
أحب إليّ من قصر منيف
لم تذكر الكاتبة اسم الشاعرة، وأخطأت في نقل البيت فقالت «تخفق الرياح فيه» فانكسر البيت عروضياً، ولعلها لا تدري أن الريح تجمع على رياح وأرواح.. واستعانت بأبيات للمتنبي الذي كان متحيزاً للجمال البدوي الفطري، ومنها هذان البيتان:
حُسنُ الحضارةِ مَجلوبٌ بتطـْريةٍ
وفي البداوةِ حُسـنٌ غيرُ مَجـلوبِ
ولا بَـرَزْنَ مـنَ الحَـمّــامِ مـاثِـلـةً
أوراكُـهُـنَّ صَقـيلاتِ العَـراقـيـبِ
لكن الكاتبة غيرت في البيتين فأضرت بهما كثيراً، قالت «مجلوب بنظراته» وهكذا اختل الوزن وضاع المعنى الذي أراده المتنبي، فحسن الحضريات مجلوب بأدوات التجميل «تطرية» بينما حسن البدويات فطري.. وقالت في البيت الثاني «إدراكهن» ولم يعد للكلام أي معنى، فما علاقة الإدراك بالجمال؟
• لا يهمني أن يكون الكاتب متكئاً على تاريخ طويل في الصحافة والكتابة يزيد على نصف قرن، بل يكون عتبي عليه في هذه الحالة أكبر.. قرأت للكاتب الذي سميته «ذا اللغة الرشيقة» قوله: لماذا تسقط على عِقـَدِك؟ (والحركات من عنده) فتساءلت: من أين أتى بهذه الكلمة؟ ولأقطع الشك باليقين عدت إلى الجذر «عقد» في المعاجم، ووجدت اشتقاقات كثيرة ليس بينها ما أثبته الكاتب.. ويقال: تحلـّلت عُقده: سكن غضبه، فكأن الغضب أو ما يشبهه كان عقدة في الحبل وانحلت، وما يسمى اليوم «عقدة نفسية» يعبر عن مشكلة تعترض حياة الشخص فينشأ عنها اضطراب في النفس، والجمع عُقـَد.
• وقرأت: بعض المنتسبين إلى الإسلام يشغـّب على المنهج، (التشديد فوق الغين من الكاتب) واستغربت هذا الفعل، فما أعرفه أنه شغبهم وشغب عليهم وبهم بمعنى واحد، وهو تهييج الشر، ولم يرد الفعل بالتشديد.. وقالوا «مِشغب» إذا كان عائداً عن الحق، و«الشغْب» تهييج الشر والفتنة والخصام.. ويقال: شاغبه فهو مشاغب، والمصدر مشاغبة.
وبهذه المناسبة نذكر أن ثمة قوات خاصة من الشرطة تسمى «قوات مكافحة الشغب» ويثور خلاف حول قراءتها، هل هي بفتح الغين «الشغـَب» أم بتسكينها «الشغْب»؟ ويلاقي المتحدثون والمذيعون صعوبة في قراءة الكلمة بالتسكين، وهو ما يصر عليه بعض اللغويين، لكن ابن دريد وابن جنّي والزمخشري قرؤوا الكلمة بفتح الغين، فلماذا هذا التضييق على من يقرؤون؟ يسِّروا ولا تعسِّروا.
• قد تكون وسائل الإعلام وسيلة تشويه للتاريخ وتضليل للقراء.. كتب كاتب مخضرم في صحيفة مشهورة ما يلي «وقاتل المتنبي فضربه الفارابي في مجلس سيف الدولة».. هذا نقص في العلم، وتكاسل عن العودة إلى المصادر الصحيحة، وتحريف لتاريخ الرجلين، وأعجب من كاتب مخضرم أن يكتب هذا، فالمعروف أن الذي ضرب المتنبي هو ابن خالويه النحوي، وكان يكرهه، واستغل قول المتنبي:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فنهض ابن خالويه وصاح: ويحك! ماذا أبقيت للأمير؟ وضربه بمفتاح كان في جيبه (وقيل بدواة حبر) فشجّه، ولم ينتصر له سيف الدولة، فقال المتنبي:
إن كان سرَّكمُ ما قال حاسدُنا فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ
ونظروا في القصيدة فلم يجدوا البيت، فعلموا أنه ارتجله، فقام إليه سيف الدولة ومسح جرحه، ولكن هيهات! كان الفراق قد وقع، وغادر المتنبي قصر سيف الدولة ملبياً دعوة كافور الإخشيدي.
• قال هذا الكاتب في مقالة أخرى «وكان الوليد بن يزيد مذواقاً للجمال» ثم قال في المقالة نفسها «وتآمر عليه بنو أمية فقتلوا أمير المؤمنين خليفة المسلمين» أما خطؤه الأول ففي قوله «مذواقاً» ونعلم أن من صيغ مبالغة اسم الفاعل «مفعال» ولكن هذه الصيغة لم ترد في الفعل «ذاق» وإنما قالوا «ذواقاً وذواقة» فمن أين أتى صاحبنا بها؟ وأما خطؤه الثاني– وهو أكبر من الأول– ففي تفجعه على «أمير المؤمنين خليفة المسلمين» فما هذا التضليل؟ أجمع المؤرخون على أن الوليد كان ماجناً زنديقاً مدمناً للخمر متلاهياً باللهو واللعب، مصراً على ارتكاب الفواحش، ومشهورة قصته التي رمى فيها القرآن الكريم بالسهام، وكان يفطر عامداً في رمضان، وانشغل بارتكاب الفواحش عن النظر في أمور المسلمين.
• هل سمعتم يوماً بكلمة «الإجبال»؟ أنا لم أكن قد قرأتها أو سمعت بها قبل أن أقرأها في مقالة لكاتب متأدب. وردت الكلمة في العنوان، ثم شرحها الكاتب في متن المقال (الإجبال: العطالة عن العمل) فهل هذا صحيح؟ وهل في اللغة كلمة «إجبال»؟
«إجبال» مصدر من الفعل الراعي المزيد أجبل، مثل: أرسل إرسالاً، أفهم إفهاماً، أنزل إنزالاً، أحرق إحراقاً، وهكذا.. أجبل تعني أولاً: صادف جبلاً، وأجبل القوم إذا حفروا حتى وصلوا إلى الأرض الصلبة، وأجبل الشاعر إذا صعب عليه القول، كما نقول أجبل الرجل إذا وصل إلى الصلب فلم يعد يستطيع الحفر، ولا وجود للمصدر «إجبال» لاسيما بالمعنى الذي شرحها به الكاتب، فمن أين أتى بها؟ لا أدري، وليس لها أي قياس.. يا أيها الكتاب المتأدبون، لا تنصبوا أنفسكم «مجامع» للـّغة العربية، وأنتم ما زلتم تحبون لم تتعلموا المشي بعد.
• لمرة لا أدري رقمها، ولست متأكداً من أنني لن أعود إلى الموضوع نفسه، أقرأ لكاتب كبير «وتناسلت من بعضها» ماذا نفهم من هذا؟ أن المجموع (قد يكون الأزمات) تناسلت من إحدى الأزمات أو من بعضها، ونترك الآن اعتراضنا على كلمة «تناسلت» لأن حديثنا منصب على كلمتي «من بعضها» وقد نبهنا مراراً إلى هذا الخطأ، وفي هذا المثال حسبنا أن نعود إلى نبع الفصاحة والبلاغة واللغة الصحيحة وهو القرآن الكريم، فقد ورد التعبير 33 مرة في كتاب الله بصيغة «بعضهم من بعض» أو بصيغة «بعضكم من بعض» أو بصيغة «بعضها من بعض» وهذا ما كان على الكاتب أن يقوله.

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
13/06/2018
2301