+ A
A -
كرر رئيس الحكومة الهندية «ناريندرا مودي» مؤخرا في «حوار شانغريلا» بسنغافورة، ما كانت الهند تؤكد عليه دوما وهو ضرورة الحوار من أجل إقامة نظام مشترك يهدف إلى ضمان الأمن وحرية الحركة في الممرات البحرية التجارية التي تصل ما بين آسيا وأوروبا وأميركا، فقد قال ما مفاده ان العالم ينتظره مستقبل أفضل إنْ عملت الهند والصين معا من أجل تحويل المحيطين الهندي والهادئ إلى منطقة حرة ومفتوحة وشاملة، وذلك في جهد مشترك لتحقيق التقدم والازدهار.
وينطلق الهنود في هذا من حقيقة أن المحيط الهندي، تحديدا، تمر به نحو 90% من تجارة الهند الخارجية، كما تمر به وارداتها الضخمة من النفط والغاز.
وفي زيارة مودي الأخيرة إلى الصين في مايو المنصرم تطرق في خلوته مع نظيره الصيني «شي جينبينغ» إلى هذا الملف، لكن يبدو أن المنافسة الشرسة بين بلديهما واختلاف أجنداتهما الإقليمية والدولية لم تترك مجالا للاتفاق على ما تضمنته كلمة الزعيم الهندي آنفة الذكر.
فالصين مثلا، على عكس الهند، لها خلافات ونزاعات مع طائفة من الدول الآسيوية (مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان) حول السيادة على بعض الجزر الصغيرة ومصايد الأسماك والممرات الاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي الذي تعتبره بكين ضمن منطقة نفوذها الاستراتيجي، وبالتالي فهي ليست في وارد الاستجابة للمقترحات الهندية، كما أن بكين حاولت ونجحت في التمدد في المحيط الهندي عبر إنشاء قواعد عسكرية لها في عدد من الدول الواقعة على هذا المحيط، إبتداء من بورما وسريلانكا والمالديف وانتهاء بجيبوتي وأرخبيل سيشل.
وطالما أتينا على ذكر سيشل، فإنه من المناسب الإشارة هنا إلى أن الهند كانت قاب قوسين أو أدنى من تأسيس قاعدة عسكرية لها في جزيرة «أسابمشن» السيشلية كي يستخدمها الطرفان وأطراف ثالثة شريطة ألا تكون الأخيرة معادية لأي من الدولتين، وذلك بموجب إتفاق أبرمه مودي مع قادة سيشل خلال زيارته للأرخبيل سنة 2015.
غير أن تعقيدات سياسية وعراقيل برلمانية من جانب سيشل أدت إلى وفاة الاتفاق. وقتها قيل أن لبكين أصابع في ما حدث من خلال تحريض قوى المعارضة السيشلية في البرلمان على رفض التصديق على الاتفاق وتجييش الشارع ضده، خصوصا بعدما شعرت بكين أن الغرض الخفي من وراء تأسيس القاعدة الهندية هو مراقبة السفن التي تحمل وارداتها من النفط الموزنبيقي. وهكذا خسرت الهند موطئ قدم هام في سيشل لصالح الصين، تماما مثلما حدث لها في جزر المالديف التي قلبت لها ظهر المجن، بعدما قدم الصينيون لقادتها مغريات أكبر.
لكن نيودلهي، مقابل خسارتها في سيشل والمالديف، ربحت مؤخرا شيئا أعظم بكثير تمثل في حصولها من الأندونيسيين على حق تطوير وبناء قواعد ومنشآت عسكرية في ميناء «سابانغ» الواقع في شمال جزيرة سومطرة والقريب جدا من واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم وأكثرها ازدحاما، ألا وهو مضيق ملقا الذي تمر به سنويا أكثر من مائة ألف سفينة. ومما لاشك فيه أن هذا يعد انتصارا لدبلوماسية مودي الذي زار إندونسيا مطلع يونيو الجاري وسمع من رئيسها «جوكو ويدودو» كلاما طيبا حول «ضرورة إقامة شراكة دفاعية استراتيجية» بين بلديهما.
وإذا كانت الهند انطلقت باتجاه إندونيسيا كجزء من سياستها المعلنة لتوثيق روابطها مع دول تكتل آسيان الجنوب شرق آسيوي والتي باتت تعرف بسياسة «التفاعل شرقا» بدلا من إسمها القديم «التوجه شرقا»، فإن إندونيسيا استجابت ورحبت من منطلق مخاوفها من تنامي النفوذ البحري الصيني والقلق من مواقف بكين العدائية، ولاسيما إعلانها المتكرر بأن «بحر ناتونا» المتنازع عليه بين البلدين هو جزء من منطقتها الاقتصادية الخاصة وقيامها بإدراج هذا البحر ضمن خرائط الصين الجغرافية.

بقلم : د. عبدالله المدني
copy short url   نسخ
10/06/2018
1976