+ A
A -
تضمن الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسي بعد أداء القسم لفترة الولاية الثانية أمام مجلس النواب المصري فقرة بالغة الأهمية، فيما يلي نصها: «إن مصر العظيمة الكبيرة تسعنا جميعا بكل تنوعاتنا وبكل ثرائنا الحضاري، وإيمانا منى بأن كل اختلاف هو قوة مضافة إلينا وإلى أمتنا، فإنني أؤكد لكم أن قبول الآخر وخلق مساحات مشتركة فيما بيننا سيكون شاغلي الأكبر لتحقيق التوافق والسلام المجتمعي وتحقيق تنمية سياسية حقيقية بجانب ما حققناه من تنمية اقتصادية.
ولن أستثني من تلك المساحات المشتركة إلا من اختار العنف والإرهاب والفكر المتطرف سبيلاً لفرض إرادته وسطوته وغير ذلك, فمصر للجميع، وأنا رئيس لكل المصريين، من اتفق معي أو من اختلف». ولأن هذه الفقرة توحي بنوايا تبدو مفارقة تماما لما يجري على أرض الواقع، من تضييق لنطاق الحريات يصل إلى حد الاختناق، وتعقب لكل المخالفين للسياسات القائمة يصل إلى حد الحبس والاحتجاز وتلفيق لقضايا تبنى عليها أحكام قاسية ظالمة، تلقي بأصحابها إلى غياهب السجون وربما ممارسة التعذيب البدني والنفسي ضدهم، فقد أثارت تعليقات كثيرة يمكن إعادة ترتيبها وتصنيفها في ثلاث قراءات مختلفة: الأولى متفائلة، والثانية متشائمة، والثالثة محايدة.
تنطلق القراءة المتفائلة من حسن الظن بالنظام القائم، وبالتالي تتعامل مع ظاهر النص كحقيقة مجردة تعكس رغبة النظام وحرصه في الوقت نفسه على فتح صفحة جديدة تكتب فيها سياسات مختلفة عن تلك التي سادت إبان فترة الولاية الأولى للرئيس السيسي، وهي فترة عكست خوف النظام على أمنه وسلامته هو كما عكست عدم ثقته بنفسه، الأمر الذي يفسر تغليبه للاعتبارات الأمنية على كل ما عداها والتعامل مع كل المنتقدين لسياساته وكأنهم معادون للوطن وحلفاء لخصومه في الداخل والخارج. وتستند هذه القراءة المتفائلة إلى مبررات شتى، أهمها أن السنوات الخمس المنصرمة تكفي لاستعادة النظام ثقته في نفسه واكتساب خبرات تؤهله للتعامل مع قضايا الداخل والخارج برؤية سياسية اكثر منها أمنية. لذا يتوقع اصحاب هذه القراءة أن يقوم الرئيس السيسي باتخاذ إجراءات محددة تؤدي لانفتاح اكبر على الآخر المختلف سياسيا وفكريا ولا تستبعد من المشاركة في صنع المستقبل سوى من يؤمن بالعنف وسيلة للتغيير.
أما القراءة المتشائمة فتنطلق من سوء الظن بنظام لا يتعدى كونه انقلابا عسكريا على حكم شرعي مدني منتخب. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، لا يتوقع أصحاب هذه القراءة من نظام لا يعرف سوى لغة السمع والطاعة ولا يثق إلا في كل من يدين له بالولاء الكامل، ومن ثم يرون أن الفقرة المشار إليها وردت في خطاب السيسي للتمويه والتغطية على نواياه الحقيقية وتخدير الأغلبية الصامتة التي لم تعد تملك سوى الصبر والانتظار إلى أن يأتي لها أحد بالفرج. ولأن النظام الحالي، في رأي هؤلاء، كان ولا يزال يعتقد أن كل من يختلف معه أو يعارض سياساته لابد وأن يكون بالضرورة إما إرهابيا أو متطرفا أو عنيفا، فمن الطبيعي أن يصبح جميع المعارضين له مستبعدين من المشاركة في العملية السياسية، بحكم تعريفه هو لمفاهيم الإرهاب والعنف والتطرف. وهناك أخيرا قراءة محايدة تهتم بالأفعال لا بالأقوال، ولا تقيم وزنا كبيرا لقضايا التفاؤل والتشاؤم، وليست معنية بالحكم على النوايا والسرائر والضمائر، وإنما هي معنية أولا وأخيرا بما يجري على أرض الواقع، وفوق السطح لا تحته. لذا يبدو أنصار هذه القراءة أكثر حذرا وريبة من الآخرين، لكنهم لا يستبعدون احتمالات التغيير بالضرورة. فتاريخ النظام لا يبشر بالخير، لكن قدرته على الصمود طوال السنوات الخمس الماضية قد تمنحه قدرا من الثقة في النفس يدفعه للتغيير، خصوصا إذا ما أدرك التغيير سوف يصب في النهاية لصالحه. ولأن السيسي سيجد نفسه إن آجلا أو عاجلا مضطرا للتفكير في مستقبل النظام الذي يقوده عقب انتهاء فترة الولاية الثانية، فليس من المستبعد منطقيا أن يفكر في إحياء تحالف 30 يونيو كمرحلة أولى على طريق إخراج النظام من مأزقه الراهن، أما إذا فكر في تغيير الدستور كي يصبح رئيسا مدى الحياة فسيكون سقوطه مسألة وقت.
الأشهر الثلاثة القادمة ستكون على أي حال هي الفيصل وكافية للحكم على صحة أي من القراءات الثلاث السابقة.
بقلم:د. حسن نافعة
copy short url   نسخ
07/06/2018
1911