+ A
A -
قد يُعطيكَ الآخَرُ ويُعطيكَ، ويُنْفِقُ عليك من المال ما يُعْمِي عينَيْكَ، لكنَّ القلبَ يقينا سَيَرى ما لا تَراه العُيون.
شيء مِن الحكمة سيَفْتَحُ أبوابَ قلبِكَ لِيَتَسَلَّلَ منه إليكَ النُّورُ، وستَتَسَاءَلُ في سُكون الليل، ذاك السُّكون الذي لا تَهْدَأُ فيه أمواجُ بحرِ العواطف، ستتساءل عن الأَثْمَن مِنَ المال والكُنوز لِتَقِفَ عند الحقيقة التي لا يَصُدُّ بابَها عَقْلٌ.
ثَرْوَتُك كُلُّها، لو أَنْفَقْتَها على الآخَر، لن تُسَاوي شيئا في عينَيْكَ ولا في عينَيْه بالْمِثل إن كانَ يَزنُ الأمُورَ بميزان القلب، فلن يَحتاج هُوَ إلى فِطنة وذَكاء لِيَنْتَبِهَ إلى أن الأَثْمَنَ مِن المال قَلبُكَ، ولْيَكُن الأَجْمَل والأَلَذّ سريرٌ دافئٌ في قلبِ مَن تُحِبُّ، ونوافذ تَنْبَعِثُ منها إشراقةُ نارٍ مُقَدَّسة لا تَخْرُج عن شمسٍ تُشْرِقُ مِنَ العين إلى العين.
عن أَيِّ مالٍ سَيُحَدِّثُكَ أَهْلُ المال وطُلاَّبُه وأنتَ تَملِكُ الدنيا بضَرْبَةِ قلبٍ يَنْبُضُ لك فتَهْتَزّ لِنَبْضِه كلُّ خلية في جسدكَ؟!
أنتَ الغارق في مُتَعٍ زائلة ومَلَذَّات عابرة ماذا تَعْرِف عنْ مدينة الحُبّ التي تُشْرِقُ فيها الشمسُ ولا تَغرب؟!
أنت الهائم في دنيا فانية ماذا تَذْكُرُ مِن حياتك الماضية وقد أَتْلَفْتَها في ما لا يُجْدِي ولا يَنْفَع؟!
أنتَ الحالم بِمَنْ يُجيدُ التضحيةَ من أَجْلِكَ ماذا تَقول عن أولئك الذين ضَحَّيْتَ بهم في سبيل نَزواتٍ عَجَّلَتْ بِأَنْ صَيَّرَتْ بَيْتَكَ أَنْقاضا ورَمادا ورَثَتْكَ دُموعا ومِدادا؟!
يَسْتَحي المالُ، ويَتَوارَى وقد بَلَّلَهُ الخَجَلُ مِنْ نَفْسِه ما أن يَذْكُرَ الآخَرُ عطاياكَ البعيدة كُلَّ البُعد عن المال، عطاياكَ مِنْ جَنَّة الحنان ذاك الذي يلجم ثورةَ الحرمان، عطاياكَ مِنَ الإحساس بالأمان الذي يُعيدُ إليكَ الثقةَ بنفسِكَ ويَجعلكَ تُصَدِّقُ أنكَ ما عُدْتَ تَقِفُ على رِجْل واحدة، عطاياكَ مِنْ نخلة الاطمئنان التي تُثْبِتُ لكَ بالحُجَّة والبرهان أَنَّكَ ما عُدْتَ تَجلسُ على الجَمر وتَتَقَلَّب على مواجع الأيام، عطاياكَ مِنْ رياض الأُنْس والودّ والأُلْفَة تلك التي تُصالِحُكَ مع نَفسِكَ بعد عقود مِنَ الشعور بالغُربة ومحاولة الفِرار مِنْ مُطارَدَة الضياع والتمزُّق الداخلي الذي يتآكَل بِسَبَبِه حِذاءُ قلبِكَ، عطاياكَ مِنْ فاكهةِ الراحة تلك التي تَعِبَتْ مِنَ الهَرَبِ منكَ وتَعِبْتَ مِنْ ملاحَقَتِها عَبَثاً وأَنْتَ تَتْبَعُ رائِحَتَها مِنْ خيمة إلى خيمة.
ويَسْأَلُونَكَ عن المال! أَثَمَّة ما هو أَرْخَص مِنَ المال؟!
فقط عندما تُرَخِّصُ نَفْسَكَ سيَتَراءى لكَ المالُ أَغْلَى.
خُلِقْنَا لِنَتَقَاسَمَ ونَتَرَاحَمَ كَيْ يَرْحَمَنا مَنْ في السماء، فقد جاء في الأثر أن اللهَ جَلّ جلاله قد جعلَ الرحمةَ في مائة جزء، فأَنْزَلَ جزءاً واحداً في الأرض وتَرَكَ عنده تِسعة وتسعين جزءا.
يَدُ اللهِ في انتظاركَ ما دامَتْ يَدُكَ ممدودةً لِأَخيكَ، مَنْجمُ الذهبِ قلبُكَ، وعَرَبَةُ النَّقْلِ لِسانُكَ، اِسمَحْ لِشَفَتَيْكَ بِأَنْ تُصَفِّقَا لِمُرور مَوْكِب السَّلام، واعْمَلْ، اِعْمَلْ جاهِداً على أن تَتَذَوَّقَ شيئا مِنْ عِنَبِ الجَنَّة على الأرض.
نافِذَةُ الرُّوح:
«عُيون الحُبّ الجميلة تَرَى في الشَّوك ما لا تَراه في الوَرْد».
«سَأُصَدِّقُ أنَّ كُلَّ الطُّرُق تُؤَدِّي إلى مدينة الحُبّ فقط عندما يَأْمُرُ القلبُ».
«رُدَّ لِلوَرد عِطرَه يا قاربَ الرحيل قبل أن تُلْقِيَ بالقلب في يَمّ النسيان».
«في مِقْلاة الهَجْرِ ستَرْقُصُ أنتَ رَقْصَةَ السمكة المنفية بعيدا عن بَحْرِها».
«قُلْ لِلْوَرد يا شَوْكَه: أَغَداً أَلْقَاكَ؟».
«رَأَيْتُ الحُبَّ يَمْضِي كَسِيحاً يُسْنِدُه عُكَّازان، ورَأَيْتُكَ تُبَعْثِرُ أَوراقَ الوردةِ خَشْيَةَ أنْ تَتَبَعْثَرَ خُطُواتُكَ».
«بابُ الْمَحَبَّةِ الصَّبْرُ على نَوْمِ عُيون القَلْب».

بقلم :د. سعاد درير
copy short url   نسخ
07/06/2018
2719