+ A
A -
كلمة إشكالية يستخدمها البعض بديلاً عن كلمة مشكلة، وهذا ليس دقيقاً والترجمة المتفق عليها هي كلمة «بروبلماتيك» الفرنسية على أساس أنها اسم وليس صفة وتعني أي جملة أو عبارة تتضمن من التناقض ما لا يفسدها، وتاريخنا العربي الممتد دونما انقطاع أو حسم حيث غلب عليه طابع التوافقات جعل من الاشكالية نمطاً سائداً، فنحن نعيش وسط إشكاليات دون وعي بها لأن حياتنا أصبحت مجموعة من التناقضات، من صور هذه الاشكالية، قولنا بالمستبد العادل، أو بالماضي الجميل، أو أن أيام الاستعمار كانت أجمل، كيف يصبح المستبد عادلاً وهل حقيقة أن الماضي كان جميلاً، وهل يتصور أن الاستعمار أفضل من الاستقلال أو الحرية، كل هذه التناقضات تجعل حياتنا تأخذ شكلاً دائريا لا نخرج من وضع إلا نعود إليه، تزداد الاشكالية شراسة عندما يصبح تاريخنا يحمل من التناقضات ما يجعله في حد ذاته إشكالية كبرى ومن هزائمنا انتصارات، هناك من يردد أن صدام حسين الذي غزا دولة عربية بطلاً قومياً عربياً، أو أن ملك السعودية خادماً للحرمين الشريفين ويمنع أو يضع العراقيل أمام شعب عربي مسلم من ممارسة حقه في زيارتهما والحج والاعتمار فيهما، هذه الجمل والعبارات هي عبارات وجمل إشكالية حيث تتضمن تناقضاتها داخلها دون أن تنفجر لأن عقولنا تستوعبها هكذا وعندها القدرة والاستعداد الذهني التاريخي للتعايش معها، وقس على ذلك عبارات كثيرة كمفهوم الحرية والديمقراطية ويكفي أن معظم جمهورياتنا تحمل في مسمياتها لفظ الديمقراطية وتعيش أسوأ انواع الاستبداد في الواقع. أزمة الخليج اليوم رغم مأساويتها إلا أنني أراها انقلاباً حقيقياً ضد فكرة الاشكالية هذه حيث بدأنا نسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية، كيف يمكن ان تستمر شقيقة كبرى وهي تمارس تصرفات صبيانية مثلاً، كيف نطلق مسمى خليجنا واحد ونحن نغتال بعضنا بعضا، كيف نتكلم عن الاخلاق والمروءة والجيرة والإسلام ونحن نمارس عكس ذلك، عندما تختفي هذه الاشكاليات التي كانت تشكل تاريخنا ستختفي معها ذهنية التوافق السلبي الذي يجعل من التوافقات ورقة في اليد تستخدم مستقبلاً بشكل انتهازي وسيبدأ العقل العربي في اعتماد الحسم وإيضاح الصورة، لكن ذلك لن يحصل قبل أن يتخلص مفهوم الحرية من حمولته الثقيلة التي جعلت منه اشكالية في حد ذاته، فالانسان حر في موقع، مستعبدٌ في آخر، سيد في مكان، وعبدٌ في مكان آخر.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
05/06/2018
2875