+ A
A -
يمكنكم أن تتخيلوا حالة السوري وهو يرى أصدقاءه وأشقاءه الأردنيين في إضرابهم الأخير، يملؤون شوارع وساحات المدن الأردنية بكل سلام وإحساس الأمان، الذي يمنحه الإحساس العميق بالمواطنة، المواطنة التي تعني أن للشعب حقا في الوطن، وله حق الاعتراض والتظاهر، وحق الحماية في حالات غضبه، وحق الثقة أن لا أحد مخول بمس أمنه تحول أو سلامه، لا سلطة الجيش ولا السلطة الأمنية، ولا يتم تجنيد مرتزقة تحت أسماء مختلفة لملاحقته وقمعه وقتله، يقف هناك، في شوارع وطنه، يعبر عن غضبه واحتجاجه مثل مواطني العالم الأول، حيث رجال الشرطة والأمن يؤدون عملهم الطبيعي، لمراقبة ما يحدث، وفرض السيطرة في حال تحول الإضراب والاعتصام إلى أعمال شغب يمكنها أن تعطي نتيجة كارثية. سيقول السوري بينه وبين نفسه وهو يتابع ما يحدث: فليحمي الله الأردن من عواقب الأمور.
يمكنكم أيضا أن تتخيلوا حالة السوري الذي آمن بالثورة والتغيير، وهو يتابع كيف تتعامل السلطات الأردنية مع المعتصمين، السوري الذي بدأ اعتصاماته قبل أكثر من سبع سنوات بطريقة حضارية وسلمية، لا تقل حضارة عن اعتصام الأردنيين، تلك الأيام التي لم يعد يتذكرها أحد، أكثر من ستة أشهر متواصلة، والاعتصامات والمظاهرات السورية تملأ الساحات جمعة وراء جمعة، في المدن والبلدات والقرى السورية على امتداد مساحة سوريا، كانت المظاهرات فيها تشبه إعادة اكتشاف للمواطنة السورية التي كانت ملغاة تماما، عبر تلاحم شعبي فريد، وعبر الأهازيج والأغاني الوطنية الثورية التي باتت ملهمة لشعوب أخرى ولأجيال جديدة تفتح وعيها على تلك الأغنيات الوطنية الجميلة.
يفكر السوري وهو يتابع ما يحدث في الأردن، أن ما أريد له من كارثة السوريين لم يحقق نتائجه، إذ كان من المفروض أن تتربى الشعوب العربية مما حدث للسوريين الثائرين، فالموت والتشريد والتهجير والقتل الممنهج والموت تحت التعذيب والإذلال وتستقطب كل مرتزقة الأرض للفتك بالسوريين، كان يفترض به أن يكون درسا مناسبا لكل الشعوب التي تفكر بالمطالبة بحقها، إذ يكفي قول تلك الجملة السحرية: (هكذا نحن أفضل من أن نصبح كسوريا) كي يمتنع أي شعب عن الحراك والتفاعل والغضب، غير أن الشعوب لا تموت، ومهما جرى من محاولات لتدجينها فسوف تتمرد ذات يوم على التدجين وعلى اغتصاب حقها في التعبير والاحتجاج، الشعوب التي تطالب بحقوقها بطرق سلمية وحضارية هي شعوب حية ومتفاعلة، وتثبت شرعية الأنظمة الحاكمة طالما احترمت الأنظمة حق شعوبها وكفلته وحمته بكل الوسائل الممكنة.
غير أن للطغاة رأيا آخر، إذ لا يؤمن الطغاة بنظرية الوطن والمواطن والمواطنة، فالبلاد هي مزارع تورث لهم، وسكان هذه البلاد هم عاملون لدى مالك المزرعة بأحسن الأحوال، وهم عبيد لدى غالبية الطغاة، والعبد إذا تمرد مصيره يحدده مالكه، قد يجلده وقد يعذبه وقد يقتله وقد يطرده، دون أن يخشى من اعتراض أحد، إذ إن العالم كله محكوم بمبدأ المزرعة أو الشركة.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
05/06/2018
2356