+ A
A -
نتجرع هذه الكأس منذ واحد وخمسـين عاماً، كأننا اسـتسـغناها، أو كأن الكأس طاب مذاقها، ونجد أنفسنا مضطرين سـنة بعد أخرى إلى التذكير بطعم الذل الذي تجرعناه في مثل هـذا اليوم، وما زلنا نفعل، وتذهلنا قدرتنا على تجرع هذا الهوان كله.
أذهـلتـنا الحكومات العـربيـة منذ اسـتعضنا عـن الاسـتعـمار الخارجي باسـتعـمار داخلي، بقدرتهـا المذهـلة على الكذب وبيع الشـعارات الكبـيـرة، ثم التـنصل مـنها دون أي حـياء. أذهلتـنا الحكومات العربية الثورية عام 1967 عندما هزمتـنا إسـرائيل خلال 6 سـاعات، أما الأيام السـتة التالـية فكانت تدريـبات عـسـكرية لـلجيش الإسـرائـيلي. خنـقـتم أصواتنا، وصادرتم حرياتـنا، ووطئـتم كراماتـنا، ونهـبتم جيـوبنا باسـم تحرير فلـسـطيـن، وإذا بكم تنهزمون خلال سـاعات، ولم تخجل الحـكومـات مـن أن تدعي أنها نكسـة. أين الجـيوش التي ســرقـتم أموال الـشـعـوب بحجة تـسـلـيحها؟ ودخلـنا زمن ذهـول جديد، وصار القائد والحزب أهم من تحرير فلسطين.
أذهـلنا الجندي العـربي ببطولاتـه عام 1973 ثم أذهـلـتـنا الحكومات بتـضيـيع البـطـولات والتضحيات، وتحول النصر إلى هزيمة. لم يعد أحد يتحدث عن تحرير فلسطين، وصارت القضية تحرير الأراضي المحتلة عام 1967.
ربما ما زال بعض أبواق الإعلام يصر على أنها نكسة، وجرب العرب في 1973 تحرير ما خسـروا في 1967، وكرسـت إسرائيل احتلالها، واسـتعادت مصر بالمفاوضات سيناء شبه استعادة، وظل الجولان والضفة الغربية محتلين. ليس غريباً أن تنهزم دول في الحرب لكن الغريب والمعـيب أن تسـتكين لهـذه الهزيمة، وأن تعود إلى «العنـتريات التي ما قـتلت ذبابة» دون أن تـبني قـوة تسـتطـيع بهـا أن تمسـح عار الهزيمة. وترتبط هـزيمة يونيـو بأكبر عـملية خداع قامت بها حكومتا مصر وسورية للشعبين، حتى كان الناس يرقصون في الشـوارع صبيحة يوم 5/6 فـقد عاشـوا 19 عامـاً ينتـظرون تلك الـلحظة، وبكوا بعـدها كثـيراً، وما زالوا منذ الهزيمة يبكون.
أهم دروس الهزيمة أن نهضة الشعوب والأمم لا تتجزأ، وتمثل عملية متكاملة تأخذ بالأسباب وتتسم بالتواصل، وتمر عبر مراحل زمنية ممتدة، والتفوق العسكري نتيجة ضمن نتائج أخرى لعملية التنمية والتحديث، وليس سبباً في حدوث هذه العملية أو هدفاً في حد ذاته، فعندما ينمو المجتمع نمواً متوازناً في مختلف الجوانب المادية والمعنوية يستطيع أن يفرز جيشاً قوياً متماسكاً قادراً على الدفاع عن وطنه.
ظللت زمناُ أردد «لن ينام الثأر» وضحك مني كثيرون، ولكنني بعد ذلك عدت إلى مقولة أقدم «لا أحلم بأن يرى ابني – مهما مدّ الـلـه في عمره – هذه الأمة وقد انصلح حالها»، وقد أضيف الآن «ولا حفيدي أيضاً» وما زال طعم علقم الذل في أفواهنا.

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
04/06/2018
2752