+ A
A -
- 1 -
الحركة الشعبية أهم فصيل مسلح في السودان بدأت السير في اتجاه ترك العمل المسلح والمضي في اتجاه العمل السياسي السلمي. الرجل الثاني في الحركة دشن لذلك التحول عبر مقال بصفحته على الفيسبوك. دوافع «الحركة الشعبية» في الوقت الراهن لترك العمل المسلح تتلخّص في الضغوط الدولية الكثيفة من الدول والمنظمات على أطراف الحرب للتوصل لاتفاق سلام بالحسنى أو الإكراه، فضلاً عن ضعف الموقف على أرض المعركة واضمحلال الدعم السياسي للحركة.
لثلاثِ سنواتٍ كُنَّا نُكرِّر ذات الفكرة، لا جدوى للعمل المُسلَّح في السودان.. هذا أصبح من إرث الماضي، لا مكان لجيفارا ولا كاسترو في واقع اليوم.
كثيراً ما كُنتُ أحادث ياسر عرمان القيادي بالحركة الشعبية المتمردة على سلطة الخرطوم، كلما التقيته، وأكتب له عن ذلك، وكان وقتها يرفض ويُقاوم تلك الفكرة، ويتمسَّك بالسلاح فكرةً ووسيلةً.
الآن اقتنع عرمان، ومضى لفتح صفحة جديدة، ولا داعي للسخرية والشماتة به، بل من الأفضل تشجيعه حتى يُسرع الخُطى في هذا الاتجاه، فإن يأتي مُتأخِّراً أفضل من ألا يأتي أبداً.
قبل أكثر من عامين، كتبتُ تحت عنوان (انتهى الدرس).
- 2 -
تُرى كم تحتاج الحركات المُسلَّحة من المعارك الخاسرة، لتُدرك أن السلاح لن يُحقِّق مُرادها في الوصول إلى السلطة.
كانت وحدها معركة قوز دنقو كافيةً لتوصيل رسالة بلا جدوى العمل العسكري.
انتهت تلك الأزمنة التي كان فيها باستطاعة حركات الغوريلا، أن تُتوِّج نشاطها العسكري بالحصول على كُلِّ السلطة، كما فعل يوري موسيفيني وأسياس أفورقي وإدريس ديبي.
الحكومات أصبحت قادرةً على حسم حرب العصابات، باعتماد تكتيكات مُضادَّة من جنس أساليب الغوريلا.
- 3 -
منذ مُنتصف التسعينيات جميعهم خسروا الرهان على البندقية، التي لم تُورثْهم سوى الهزائم والانكسارات أو الحصول على القليل الذي لا يُساوي ما دُفِعَ من أثمان غالية.
انهارت حركة سافمبي في أنغولا، حينما انقلب عليها الحلفاء، وكُتِبَتْ النهاية برصاص الأصدقاء.
اختار نمور التاميل فضيلة الاعتراف ونقد الذات، بأن خيار العمل المسلح كان كارثياً على الجميع.
الحركة الشعبية في دولة الجنوب الآن، يُذيقها رياك مشار من السمِّ الذي حُقِنَتْ به شرايين السياسة السودانية.
وقبل أيام، أعلنت حركة ايتا الانفصالية في إسبانيا، تخلِّيها عن العمل العسكري، وتسليم أسلحتها للحكومة الإسبانية.
- 4 -
دراسة للدكتور حامد التيجاني نشرها مركز الجزيرة للدراسات قبل أعوام، عن الكُلفة الاقتصادية لحرب دارفور. وأشارت البيانات والتقديرات الواردة بالدراسة، إلى أن ما أُنفق على حرب دارفور بلغ 24.07 بليون دولار، وهو ما يُعادل 162 % من الناتج المحلي الإجمالي خلال سنوات الحرب، ويشتمل هذا على 10.08 بليون دولار في صورة نفقات عسكرية مُباشرة، و7.2 بليون دولار في صورة خسائر في الإنتاجية فقدها النازحون عن أراضيهم داخل دارفور، و2.6 بليون دولار في صورة خسائر في المُدخرات الحياتية فقدها القتلى في الحرب، و4.1 بليون دولار خسائر نتجت عن الإضرار بالبنية الأساسية، هذا إلى جانب الخسائر البشرية للحرب هناك، والتي يبلغ عدد ضحاياها في مكان ما بين عشرة آلاف شخص، بحسب معطيات للحكومة وثلاثمائة ألف، كما تُقدِّرُ بعض الجهات الدولية.
- 5 -
المؤسف أن أزمة دارفور فتحت باباً واسعاً للاستثمار ولبزنس الحرب، فهناك جهات عدَّة، دولية ومحلية، تتعاظم مصالحها في استمرار أوضاع عدم الاستقرار، وبقاء الإقليم في منزلةٍ بين المنزلتين: الحرب والسلم.
سياسيُّون يبحثون عن المناصب، وما يترتَّب عليها من مكاسب مالية ومعنوية، وعسكريون يجدون في هذه الحالة المُلتبسة، وضعاً صالحاً للسلب والنهب وبيع الولاءات، ومنظمات تستفيد من الحالة في جمع التبرُّعات واستدامة الدعم، ومثقفون وأنصاف متعلمين تصبح عندهم دارفور بطاقةً رابحةً في نوافذ اللجوء السياسي وبرامج إعادة التوطين بالدول الغربية.
-أخيراً -
سيظل أركو مناوي ببزّته السوداء وشاله الرمادي، مُتنقِّلاً بين مطارات كمبالا ولندن وباريس.
ولن يُغادر عبدالواحد أضواء شوارع الشانزليزيه، ليعود إلى زالنجي، ولن يمتلك جبريل جرأة أخيه خليل ليمدَّ ذراعه الأخرى إلى الخرطوم.
انتهى الدرس، ولم يبقَ سوى وضع السلاح على الأرض، والبحث عن طرق أخرى للتعبير عن المواقف وتحقيق المكاسب.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
03/06/2018
2025