+ A
A -
مرّ عام على الحصار، تبدو لفظة «عام» قصيرة المدة لدى البعض، لكنها ليست كذلك، فهو عام من قطع الأرحام أولاً، وحرماننا من تأدية شعيرة دينية لا تخص جنسية معينة، لكنهم أرادوها كذلك، وبالمقابل لم تنجح الدول التي افتعلت الحصار في تحقيق أهدافها المباشرة التي كانت تقوم على حسابات مفادها أن الصدمة سوف تصيب الدوحة بالهلع وتدفع حكامها إلى الركض والاحتماء بمن حاصرها فجراً في شهر الرحمة ووصل الأحبة، ولكن تبيّن أن هذه الحسابات قاصرة ومفتقرة للدقة في تقدير قدرة القيادة القطرية على مواجهة الهجوم المفاجئ واحتوائه والتعامل مع مفاعيله سياسياً واقتصادياً وإعلامياً، وحتى أمنياً.
الأزمة التي بدأت بقرصنة موقع وكالة الأنباء القطرية ونشر خطاب كاذب منسوب إلى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، وكانت الخطة تقضي حسب تقديرات بعض الخبراء بإثارة صدمة كبيرة داخل الدوحة تقود إلى هز الحكم ولكن القيادة القطرية تصرفت برباطة جأش واستطاعت امتصاص الصدمة والتعامل مع عملية القرصنة والهجوم الإعلامي والسياسي الذي رافقها بمهنية عالية وأخلاق سامية.
بل واعتمدت الحملة ضد قطر على مستوى هابط من الحرب الإعلامية والسياسية وساهمت نوعية الاتهامات والتلفيقات التي فبركتها دول الحصار وطريقة تقديمها في خلق رأي عام مضاد لدول الحصار، ولعل قطر تأثرت في الأيام الأولى من الهجوم الذي فاجأ الجميع حكومة وشعباً ومقيمين، وجميعنا يعلم أن مفتعلي الحصار أرادوا أن يتضرر جميع القطاعات جراء إعلان الحرب الإعلامية والسياسية وإغلاق الحدود.
كان درس الحصار قاسياً ولم يكن متوقعاً أن يتصرف الأشقاء على هذا النحو العدائي في شهر الصوم والتراحم؛ ففي العرف الإسلامي عامة، والعربي الخليجي على وجه الخصوص، ترتبط تلك الأيام بالكرم وصلة الأرحام ونسيان الخلاف، ولكن يبدو أن المعايير الإنسانية والخطوط الإسلامية قد هُتك عرضها لديهم، أما قطر فتحركت سريعاً معوضةً النقص في المواد الأولية وشرعت في تطبيق إجراءاتها لتحقيق الأمن الغذائي، ولم تكتف بذلك، بل وعلى صعيد الحصار الدبلوماسي ومحاولة عزل البلاد فقد فشلت دول الحصار فشلاً ذريعاً، وتبين أن الدوحة أقامت علاقات دبلوماسية ذات طابع متين وعلى أسس واضحة لم تؤثر فيها البروباغندا الإعلامية لهم والتي لم يتجاوب معها أحد إلا بائعو الضمير بريالات ودراهم معدودة، وها هي الذكرى السنوية الأولى لفرض الحصار البري والجوي على قطر تحل عليهم معلنين للملأ نجاحهم وإن أخفوا عدم القدرة على العودة لنقطة الصفر لحفظ ماء الوجه الذي أراقته خطوة فاصلة في مصير سياسات كانت يوماً متقاربة، ولكن ولسوء حظ هذه الدول فإن قطر تحتفل بمناسبة تجاوز هذا الحصار والأهم المحافظة على السيادة التي تُعد خطاً أحمر لا نقاش فيه.
قطر اليوم أقوى، بل ويونيو ألفان وثمانية عشر يختلف عن مثيله في عام ألفين وسبعة عشر، رقم ليوم وشهر وعام لن ينساه التاريخ وهو الذي يحفظ تواريخ مماثلة من التآمر بأبعاد سياسية واقتصادية قديمة من ذات مفتعلي حصار العام المنصرم.
وبالحديث عن التاريخ فإن قطر وهي الدولة التي بنت كيانها وموقعها الجغرافي المستقل دون وصاية من أحد، الرغم من مساحتها التي يتندرون بصغرها والتي ظنوا أنها بذلك قد تكون لقمةً سائغة يسهل مضغها بلذةٍ متناهيه والتنعم بمقدراتها كانت وما زالت تتعرض عبر مسيرتها الماضية للكثير من الأطماع وهي التي ينعم شعبها بالخير والعز من حاكمٍ يعي أن الخير يجب أن يعم بلاده وشعبه أولاً.
وبالعودة للتاريخ والمصادر التاريخية فإنه ومنذ عهد المؤسس الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني حاكم قطر ومؤسسها، غفر الله له، فقد سعى للحفاظ على الدولة وكيانها السياسي المستقل وهو الذي عُرف بالشخصية الشجاعة والحكيمة، والمتزنة المتدينة التي لا تخشى في الله لومة لائم، بل وكل هذه الصفات ساعدته في توحيد شبه جزيرة قطر منذ القرن قبل الماضي وحتى رحيله في بداية القرن الماضي وتحديداً في عام 1913 م عليه رحمة الله.
وقد خاضت قطر في عهد المؤسس الكثير من الحروب والغزوات التي ذاد فيها مع شعبه وقبائله التي التمت حوله وتكللت جميع غزواته بالنصر المؤزر بحول من الله وقوته بسبب تكاتف الشعب القطري معه حفاظاً على تراب الوطن من المعتدين والطامعين في ذلك الزمان، فقطر واجهت تلك التهديدات بعزم الرجال الذين ذادوا عن حياض الوطن بكل بسالة وبطولة وهذا ما سجله أهل قطر عبر تاريخهم المشرف من أجل أن تبقى هذه الدولة دار عز وشموخ رغم المحاولات اليائسة في تلك الفترة للنيل منها والسيطرة على أراضيها عن طريق القوة ولكن ذلك لم يتحقق لهؤلاء الطامعين لا قبلاً ولا الآن بفضل الله وحكمة من قادها ويقودها للعلا وكما أقول دوماً «للعلا يا موطني».
ولأن التاريخ لا ينسى ففي ظل قيادة سيدي تميم المجد الآن وهو الذي يصادف ذكرى توليه للحكم بعد أيام وفي الشهر ذاته فإننا كما نحتفي باستمرار سيادة الدولة نحتفي أيضاً بتجديد البيعة لحاكمٍ بالعدل يحكم في ظل محاولةٍ فاشلة من التدخل والتي وئدت في مهدها حتى أصبحت قطر قوة ضاربة في المنطقة منذ تلك الفترة وحتى يومنا وللغد بإذن الله فقطر الغد ستكون أفضل بكثير من قطر الأمس، هي ثقة بالله أولاً ثم بالقيادة الحكيمة وأننا تجاوزنا الأزمة ونحن أكثر قوة وثباتاً وعزيمة واحتراماً أمام العالم أجمع دولاً وشعوباً كاسبين ذلك بكل اقتدار، فهذه الأزمة أظهرت مكانة قطر ووقوف الشعوب معها وهي التي ناصرت ودافعت عن قضاياها ليأتي اليوم الذي تدافع فيه تلك الشعوب عنها وتتبنى قضيتها في هذه الأزمة.
ولا ننسى أن رب ضارةٍ نافعة وإن نظرنا لنصف الكوب الممتلئ لشكرنا دول الحصار على ما قدمته من أسباب جعلت العالم يقف معنوياً وبكل الوسائل مع قطر حكومةً وشعباً وكان أمر عدم المساس بالحق القطري ابرز ما ميِّز هذه الفترة وأن الوطن وسيادته بل ومقدراته ليس للعرض والطلب على وسيلة كرتونية، والآن بعد مرور عامٍ على حصار قطر يقول قائل إننا تعايشنا مع الحصار حتى بدونا كالذي يعيش في عزله والحقيقة التي تبدو أصعب من أن يتم استيعابها لديهم أننا، وكما قال سيدي تميم بن حمد، نحن بدونكم بألف خير، وأنا أقول قد قلبت الطاولة على من تطاول وللعلا يا موطني.
بقلم : ابتسام الحبيل
copy short url   نسخ
02/06/2018
2438