+ A
A -
هناك شبه هوس في العالم من أجل إطالة الأعمار وتحقيق شباب دائم لكبار السن، فبينما دول عدة في العالم تشكو من انخفاض معدلات المواليد، وعزوف شباب عن الزواج والأنجاب وبناء أسرة، نجد معامل البحث العلمي تسهر على صحة كبار السن أكثر مما تكترث بتحسين معدلات المواليد خصوصاً في مجتمعات بدول القارة البيضاء العجوز، منعاً لما يشبه انزلاقها إلى الانقراض.
ويتحدث علماء في جامعة هارفارد مؤخراً عن أن العيش لسن 130 بجسد «شاب» قد يصبح حقيقة واقعة قريباً، إذا تكللت تجاربهم الجينية التي يجرونها على كائنات غير بشرية بالنجاح، لذا فقد يسحب العلم من كبار السن عكازاتهم التي يتكئون عليها لنراهم يتحركون ويمشون ويتريضون كما يتريض لاعبو كرة القدم والمصارعة والملاكمة!، وقد تضطر دول ستطبق هذه البرامج الطبية العجيبة إلى تغيير جذري في قوانين تحدد فيها سن التقاعد والخروج إلى المعاشات، وقد ينجح المرء في تغيير مهنته أكثر من مرة خلال عمره الطويل هذا الذي سيبلغ نحو قرن وثلث القرن، فيكون في مقتبل حياته مهندساً، وفي نصف عمره الآخر طبيباً أو صحفياً أو فلاحاً ماهراً، وقد تختفي من الوجود دور رعاية كبار السن طالما أن صحتهم ستكون بعيار صحة الشباب، وأثر ذلك فسوف تتغير النظرة إلى كبار السن، ولن تخصص لهم مقاعد في وسائل المواصلات العامة، وسوف ينشأ طب متخصص في إطالة عمر الكبار بعلاجات جينية متخصصة، فإن نجح علماء هارفارد فيما يبحثون فقد تنقلب الكثير من النظم المجتمعية والتطلعات الفردية وتعداد الديموغرافيا في العالم!، فهل العالم، وبسبب هذه التقاليع العلمية والتقنية الغريبة، مقبل على زمن سوف يقل فيه عدد أطباء توليد النساء بمجتمعات، ليزيد فيها عدد أطباء إطالة أعمار الكبار!
ولكن اللافت أيضا أن العالم يسترد ثقته في كبار السن، وقدرتهم على منافسة الشباب فيما يعملونه، انظروا مثلاً إلى رجل ماليزيا الشهير ومؤسس نهضتها الحديثة مهاتير محمد البالغ من العمر 92 عاماً، والذي فاز في الانتخابات الماليزية الأخيرة رغم عمره التسعيني، فالغريب في الأمر أن معظم الذين أيدوه واقترعوا لصالحه كانوا من الشباب، وليس من جيله الكبير السن، فالرجل، ودون حسد، يتمتع بصحة جيدة، وتألق واضح، وثقة بالنفس، وربما لكل ذلك اختاره الشباب قبل أن يختاره معاصرو وجوده سابقاً في سدة السلطة، وكأن ماليزيا تحلم بزمن هذا الرجل الذي اكتشف فيها طاقاتها، وقادها إلى نمو اقتصادي مذهل لتكون واحدة من أبرز نمور آسيا.
وما حدث في ماليزيا يصوب إجحافاً شائعاً بكبار السن، ويتناقض تماماً مع دعوة شبه عالمية تطالب بإفساح المجال واسعاً أمام الشباب وإحالة كبار السن في الدوائر الحكومية المختلفة إلى مقاعد المتفرجين، وها هم علماء هارفارد قد يدهشوننا قريباً بتقنياتهم الطبية التي ستطوي صفحة في التاريخ الإنساني وتفتح صفحة جديدة.

بقلم : حبشي رشدي
copy short url   نسخ
22/05/2018
1750