+ A
A -
الفلوجة كانت اول مدينة عراقية يسلبها «داعش»، وهي الآن على عتبة الخلاص من هذا التنظيم المتطرف الذي قاتل كل الفئات والمذاهب والاتجاهات، وكفّر الجميع، إلا من التحق بعناصره الذين بدورهم لم يسلموا من تصفيات داخلية لأوهن الأسباب.
استرداد الفلوجة من تنظيم «داعش» يشكل نقطة انطلاق للعمليات العسكرية في قلب مناطق «داعش»، ونتائج المعركة فيها بوابة مباشرة لاستعادة الموصل.
وبغض النظر عن مقدار الجهد الذي تستثمره الحكومة العراقية في هذه العملية العسكرية، فإن النجاح يكون محدوداً من دون نيل ثقة اهل المدينة الذين كانوا الضحايا الأوائل لجور التنظم والذين يخشون اليوم أن يكونوا مرة ثانية ضحايا انتقام بعض «المحررين». فما حدث عند «تحرير» تكريت لا يزال ماثلا في أذهان أهل صلاح الدين والانبار وهم يخافون من تكرار ما حدث هناك عندهم من عقاب جماعي وعشوائي بلا سبب سوى الهوية الطائفية. فليس «داعشيا» كل من اضطرته الظروف للبقاء أسيرا في بيته ومدينته في ظل حكم «الداعشيين».
ساعة الفلوجة تشير إلى قرب انتهاء الكابوس الذي قض مضاجع اهلها ليل نهار، لكن حدث تحريرها قد يجر إلى كابوس أكبر، في حال علا صوت الانتقام ولم يتعامل أولياء الأمور في بغداد على قاعدة ان تحرير الفلوجة فرصة نادرة لاعادة توحيد العراق على أسس التسامح والعدل والمواطنة، فليس كل من يعارض الحكم في بغداد هو إرهابي متطرف، فالخلافات السياسية والاعتراض والمعارضة أمور من طبيعة الحياة ولا أحد يستطيع إلغاءها مهما تجبر المتجبرون.
الاستعانة بالميليشيات الطائفية لطرد التنظيم الإرهابي من المدينة يبدو حلاً آنيا، إلا أنه يُعدّ وسيلة سريعة لفقدان الحكومة المركزية السيطرة ليس فقط على المناطق المحررة بل ايضا على بغداد وخضوعها لحكم الميليشيات الطائفية، وتاليا التأسيس لتهميش طائفي جديد، وزرع بذور تطرف اشد بأسا. لذا مع بدء تحرير الفلوجة والاستعداد لمعركة الموصل، فإن السؤال المفترض هو ما الحل الامثل للعراق بعد الانتهاء من «داعش»؟
هناك من بين الساسة الكبار الذين تحكموا بالبلاد والعباد سنوات طويلة من اخطأ كثيرا في حق العراق والعراقيين حتى تحولت الأخطاء إلى خطايا ساهمت في جعل البلاد مغناطيسا جاذبا للإرهاب ومقاوليه من كل حدب وصوب، هؤلاء أيا كان منصبهم أو علا شأنهم يتعين محاسبتهم ليس فقط على ارتكاباتهم بل ايضا على نياتهم الطائفية التي ضيعت على العراق فرصة بناء دولة موحدة يتساوى فيها كل مواطنيها بالحقوق والواجبات، ولا فرق فيها بين عراقي وعراقي الا بالكفاية والمعرفة والاخلاص للعراق وليس للحاكم. ومن ثم يتعين تشخيص الخطأ الذي ارتكبه جميع الأطراف الفاعلة والمتسبّبة بهذا الدمار الذي استباح الحياة العراقية على نحو خطير ومشوه لم تشهده منذ دخول هولاكو لبغداد. ثم الاتفاق على: إلغاء الطائفية السياسية وبناء دولة المواطنة، وفصل ما هو سياسي عمّا هو دعوي مذهبي أو طائفي عبر إصلاح الدستور والنظام السياسي وقانون الانتخاب وتطبيق قانون الأحزاب. والأهم حل الميليشيات وكل الجماعات المسلحة باختلاف انتماءاتها وجهاتها المناطقية وتحت أيّ مبرر كان، وإلا فإن طي صفحة الفلوجة أو حتى الموصل من بعدها لن ينقذ العراق من شر البلية التي ابتلي بها.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
01/06/2016
1807