+ A
A -
ذات شهر رمضان في أوائل تسعينات القرن الماضي، كتب الصديق الراحل طلعت الشايب مقالة في طيبة الذكر مجلة «أخبار الأسبوع» بعنوان لافت للنظر «لابس دين» وشرح سبب الاسم بأن في القاهرة متعهدين يشبه الواحد منهم «مقاول أنفار» ويسمونه في السينما «ريجسير» وتنحصر مهمته في تأمين «الكومبارس» للفيلم. المهم يذهب المتعاقدون كل صباح إلى هذا المقاول، فيبلغهم بمهمتهم ذلك اليوم، وكم العدد المطلوب: (النهارده عندنا جنازة، فرح بلدي، عرس في حي شعبي) وما يشبه ذلك، ولديه في المخزن ملابس لجميع المناسبات، وقال الراحل: ما إن «يصهل» محمد عبد المطلب «رمضان جانا» حتى ينطلق الجميع فيحملون المسابح، ويرتدون العباءات.
وفي عالم الصحافة والإعلام، يصير الجميع فقهاء أو كالفقهاء، ومنهم من يتصدى للإفتاء، لكن الأخف وطأة أنهم يصيرون من خبراء التراث، مع أننا لا نقرأ لهم أو نسمع منهم في غير رمضان كلمة واحدة عن هذا التراث، وهكذا يسرفون في الحديث عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم جميعاً، وعن علماء الأمة وفقهائها وأئمتها، فتجد حاضراً في كتاباتهم أبو حامد الغزالي، وابن تيمية، والشافعي، وسعيد بن المسيِّب، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم.
وهذا كله أقل بكثير مما نرى على شاشات التليفزيون، وصار مما نكرر دائماً دون أن نلقى من يصغي أنهم أفرغوا الشهر الكريم من روحانيته، وحولوه إلى ما لا يمت بأي صلة إلى «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن». ومما يغيظ جداً المشاهدون الذين يسألون كل عام الأسئلة عينها «شيخي، هل القبلة تفطر؟» يا ابن الحلال، أما تشتهي أن تقبل زوجتك إلا في نهار الصيام؟ «شيخي، هل الحقنة – في الوريد أو العضل – تفطر؟» لكنه لا يسأل عما إذا كان قبول الرشوة يفطر، ولا عما إذا كان تعطيل مصالح الناس يفطر، ولا عما إذا كان الغش يفطر، مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج من يغش من أمة الإسلام (من غش فليس منا) وكأن هذا السائل قام بكل ما يجب عليه القيام به: صام النهار، وقام الليل، وأكثر من تلاوة القرآن وحضور المجالس الطيبة التي يذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى، ويقرأ فيها القرآن ويفسر، وتدور فيها الأحاديث المستحسنة حول مكارم الأخلاق «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ووصل رحمه، وتصدق دون أن تعلم يمينه ما أنفقت شماله.
أفرغوا رمضان من معانيه العظيمة، وانصرفوا إلى اللهو والترفيه المباح وغير المباح، وانشغلوا بشهوات السمع والبصر، وعطلوا عقولهم وما عطلوا ألسنتهم وآذانهم عن أن يغتابوا أو ينمّوا، أو يصغوا إلى نميمة.

بقلم : نزار عابدين
copy short url   نسخ
21/05/2018
2826