+ A
A -
الحراك الاجتماعي جزء من تكوين كل مجتمع وكل مرحلة تاريخية هي جزء من تاريخ المجتمع وشهادة إما له أو عليه، ترتقي الأوطان باستلهام الدروس والاعتبار من الماضي، أخطر ما يواجه المجتمعات هو الصمت المطبق وانحصار التجربة في نفس صاحبها، وعدم نقل مراجعاتها للجيل الجديد. لقد تأثرت قطر مثل غيرها من البلدان بمحيطها العربي وتحولاته، خاصة أنها كانت أطرافاً ولم تكن مركزاً في ذلك الوقت، تأثرت بالأفكار القومية واليسارية عموماً، لا شك أن هناك جيلاً قطرياً قد تأثر بهذه الأيديولوجيات والأفكار عن طريق الدراسة والاحتكاك وربما الالتحاق كذلك، يخاف مجتمعنا من الفكرة، ويتخندق ضمن القشرة الموجودة، لذلك ثمة خلط كبير بين محاكمة الأفكار ومحاكمة معتنقيها، الأفكار تذبل وتتغير، لكنها حيوية ولا تحاكم بعيدا عن محيطها الذي نشأت فيه، ومحاكمة هذه الأفكار حق مشروع للباحثين والدارسين وعن طريق ذلك ينمو ويتطور المجتمع وتتضح لديه الرؤية، كما تأثرت قطر وبلا شك بتيارات الإسلام السياسي على اختلافها، وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين، والجهاد الأفغاني وغيرهما، تصوير مجتمعنا أنه خال من التجربة، تصويراً معيباً، لماذا القلق من ذلك، ما ينقصنا اليوم هو هذه الشهادات ممن عاصروا ونادوا واعتقدوا في حينه بتلك الأفكار وتلك الأيديولوجيات، فالإنسان ابنٌ لبيئته وما يعتريها من فكر واعتقاد، أعتقد أن صدمتنا اليوم من التحول القائم في مجتمعنا نتيجة لخلو المساحة الوسطى المراجعات الثقافية، وخوف المجتمع من الوصمة، مجتمعنا يوصم الإنسان بما يعتنقه من فكر ولو تحول عنه لاحقاً، لأن طبيعة الفكر أنه يتطور ويتحول وقابل للمراجعة، المجتمع يحتاج إلى شهادات فكرية كما هي حاجته إلى شهادات إدارية وحكومية، لا يمكن رصد تحول المجتمع ودرجة تقدمه من عدمها وأين يقف اليوم؟ دون هذه الشهادات، لم تعد تلك الأفكار شيئاً يخفى، القومية سواء الناصرية أو البعثية أو تيار الإخوان أو الأحزاب الشيوعية، ليست كلها كانت متواجدة في قطر لكن تأثيراتها بلا شك وصلت إلينا، ليس كل تاريخنا هو القبيلة والتاريخ الشفوي المروي عن أهل قطر وعاداتهم وكرمهم ونخوتهم، هناك تاريخ فكر ورؤية فكرية، تأثراً بالمحيط العربي، لقد شهدت الفترة الناصرية في أواخرها، ورأيت كيف أصبح كل أهل قطر ناصريين، لكن لاشك انه كان هناك رموز يشار إليها بالبنان.
لا شك أن هناك من أهل قطر من يعتقد بأفكار حزب البعث، كذلك، وهناك بلا شك من أهل قطر من تأثر بفكر الإخوان المسلمين أو من يعتقد بأفكارهم، وسمعت أن هناك ماركسيين كذلك. الأفكار دليل حيوية المجتمع، مثل هذه الشهادات لو استطاع الإعلام استخراجها تحت عنوان «قومي» قديماً أو سابقاً، أو بعثياً سابقاً أو حتى ماركسياً سابقاً أو إخوانياً قطرياً سابقاً كان أم لاحقاً، ستساعد الجيل الجديد كثيرا لأنه جيل لا يعرف الفرز، ولا يدرك أن الفكر في حالة تحول دائم ومستمر، فليس هو مجالاً للمطلق أو للحكم المطلق، ربما ذلك يساعدنا لإيجاد تصور نسبي للحقائق، لا كما نرى اليوم بين شبابنا من تعنت وتصلب وتشبث في الرؤية والاحتمال. كما أسلفت مجتمعنا يحتاج إلى مراجعات ثقافية وإدارية، التخبط الإداري الذي نراه هو أيضا نتيجة لغياب الشهادات المطلوبة لتجربة الجيل السابق والذي سبقه، لكن التخبط الثقافي ربما يكون أكبر، لأنه يتعلق بالحقيقة وتصورات المجتمع حولها، بينما الجانب الإداري يتعلق بالأداء والإنجاز رغم أهميته البالغة إلا أنه ليس كخطورة الإيمان بأن الحقيقة والتجربة يولدان مع الشخص، وما الانسان بالتالي سوى جلباب والده كما هو ملتصق الآن في ذهنية هذا الجيل.
بقلم : عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
20/05/2018
2648