+ A
A -
كتبت غير مرة في هذه المساحة، أن مدعي الليبرالية والعلمانية العرب، هم أكثر أهل الأرض بعدا عن الليبرالية، وأقلهم احتراما للحريات، يتجلى ذلك بصورة واضحة لا يدانيها شك، ولا يخالجها لبس إذا ما اختار الناس عبر الآلية الانتخابية غير ممثليهم أو بني جلدتهم الفكرية، فيما يتحولون إلى محرضين على الاستبداد، ومتمرغين في ترابه، إذا انتحى خيار الناخبين لجهة أعدائهم الأيديولوجيين.
ولأن مهد الربيع العربي، الشقيقة تونس، تواصل تقديم الدروس لمن يريد أن يستفيد، فقد كانت الانتخابات البلدية التونسية، درسا جديدا على عدد من المستويات. وإن كان مستوى النضوج السياسي لحركة النهضة، الذي بلغ مبلغة، واحدا من أبرز الدروس التي يجب الاستفادة منها، إلا أن ردة فعل مدعي الليبرالية والعلمانية، على نتائج الانتخابات البلدية التونسية، التي تقدمت فيها قوائم حزب حركة النهضة، على بقية القوائم الليبرالية والعلمانية هي الدرس الذي لابد من التوقف أمامه، لأنه يعطينا دليلا إضافيا، على أكذوبة ادعاء تلك الليبرالية والعلمانية والإعلاء من الإرادة الشعبية التي تلوكها ألسنة مدعي تلك الأيديولوجية، ولا تستوعبها قلوبهم، أو تستسيغها نفوسهم.
لطالما وجه مدعو الليبرالية العرب، سهام النقد، وشنوا هجوما ضاريا على خصومهم، وخصوصا أصحاب المرجعية الإسلامية، انطلاقا من حقوق المرأة، باعتبارهم حماة تلك الحقوق، وسدنة الدفاع عنها، والمتعبدين دوما في محرابها، لكنهم ولأن ما يتشدقون به لا يبلغ حناجرهم، فسرعان ما انقلبوا على تلك الحقوق، لا لشيء إلا لأن المرأة هذه المرة، لم تكن مرشحتهم، أو ممثلتهم، وإنما كانت مرشحة على قوائم خصومهم اللدودين النهضة.
فما زال الجدل متواصلا بين الأوساط السياسية والنخب المثقفة في تونس، حول أهلية مرشحة الحركة، سعاد عبد الرحيم، لنيل منصب رئيس بلدية تونس العاصمة،
حتى وصل الامر باعلان المكلف بالاتصال في نداء تونس، صراحة رفضه تعيين امرأة في منصب «شيخ مدينة تونس»، مبررا ذلك بعدم قدرتها على دخول المسجد ليلة القدر وباقي المناسبات الدينية، والتي تستوجب جلوسها مع رجال الدين والدولة، حسب قوله.
ربما كان ما قاله المسؤول بنداء تونس رأيا شخصيا.
لكنه في كل الأحوال كاشف لما يمكن تسميته بـ «النفاق الليبرالي» الذي يتحمل نصف المسؤولية على الأقل في الاستبداد العربي في كافة الأقطار.

بقلم : محمود عيسى
copy short url   نسخ
13/05/2018
3168