+ A
A -
«أنا ضد، أنا مع، أنا أعترض، أنا لا أوافق»، أنا أنا...إلخ، إلى كل هذه الفرامانات التي يصدرها المغردون يومياً، انا أحدهم، جعلتني أتساءل عن «الأنا» المستخدمة هنا خاصة في المجتمعات الخليجية، ويظهر ذلك واضحاً في هذه الأزمة الخليجية المستعرة بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ، ما هي هذه الأنا المستخدمة وعلى ما تدل؟ بالإمكان تفهمها من أفراد في مجتمعات تلعب فيها السياسة دوراً كبيراً من أحزاب ونخب ونقابات ومنظمات سياسية وحقوقية وتعليمية... إلخ، هنا تكون «الأنا» في وضعها الطبيعي الذي يمكن من خلاله سبر قدرتها وفاعليتها، أما أن تصدر من أفراد في مجتمعات، كمجتمعات دول الحصار، خالية تماماً من المجتمع السياسي كأحد ركائز المجال العام، فإنها تدل على تضخم للذات، وربما تخلق تياراً موازياً افتراضيا، لا وجود له في الواقع من خلال ما نقرأه من هشتاقات، عندما يصبح الأمر مواجهة بين جماعة وجماعة أخرى، فيصبح هناك بناء فوقي ليس نتاجاً لبناء تحتي، فهو بالتالي ليس سوى صدى لحركة رأس المال أو لغياب آلية التعبير الدستورية والقانونية داخل المجتمع، الأنا المستخدمة في التغريد في هذه المجتمعات هي أنا تعويضية عن عدم القدرة على التنظيم أو عدم القدرة على السيطرة على الواقع، فيصبح المجال السيبراني متنفساً بديلاً، حتى كبار المسؤولين، حيث كشفت الأزمة عن «أنا» زائفة تتحدث بلغة الغير وتهدد بلغة الآخرين، كما شهدنا مع تغريدات وزير خارجية البحرين انا ليست دستورية ولا قانونية وليست لغة وزير خارجية أصلاً، وهناك أيضا «الأنا» الشعبوية التي تصدر من أجهزة حكومية، لا تلتزم بالحد الادنى من اللياقة اللغوية كتغريدات القحطاني وآل الشيخ أو خلفان الذي هبط باللغة إلى مدارك سفلى من ضحالة التعبير وزميله الآخر المزروعي الذي أدخل التغريد دورة المياه، ومراحيض الاستفراغ، هذا كله يرجع لفراغ المجال العام من آليات حقيقية في إدارة الشأن العام، من يعتقد أن تويتر سيغير وجه الثقافة في المنطقة واهم، أو سيفتح حرية التعبير كذلك اشد وهماً، لأن الجميع ضمن مجال إعلامي محدد ومحكوم، بل بالعكس زادت لغة البيانات على لغة التحليل منذ أن تم الانغماس في التغريد، أفهم أن يغرد وزير خارجية فرنسا لأنه يمثل حزباً مشاركا في الحكم، أفهم أن تغرد رئيسة وزراء بريطانيا، لأنها تمثل حزباً حاكماً لديه برنامج، هؤلاء في انسجام مع واقعهم، فهم يغردون ضمن سياقات اجتماعية سياسية واضحة، لكن لا أفهم أن يغرد وزير خارجية البحرين ضد قطر، مردداً ادعاءات إماراتية، وقبل عام كان يغرد مادحاً قطر؟ لا أفهم أن يغرد الجبير متهماً قطر متبنياً روايات بحرينية أو مصرية وقبل عام يغرد معجباً لما حققته قطر في زيارته لها قبل الحصار بأسابيع، لا أدعو لعدم التغريد، لكن أدعو أن يكون منسجماً مع الذات، وبعيداً عن التوظيف وعن لغة البيانات والتفخيم، فهو ليس واقعاً في حد ذاته بقدر ما هو انعكاس لواقع فعلي كما لديهم أو لبارانويا متخيلة كما لدينا.
بقلم:عبدالعزيز بن محمد الخاطر
copy short url   نسخ
10/05/2018
2665