+ A
A -
الدوحة : الوطن : أثناء العمل على مشروع السلاحف البحرية "المراقبة والمحافظة" القائم بالتعاون بين مركز العلوم البيئية في جامعة قطر ووزارة البلدية والبيئة والذي يقوم على مراقبة ودراسة مواقع تعشيش السلاحف على مدى السنوات الـ 18 الماضية، ويهدف إلى حماية سلاحف منقار الصقر من الانقراض؛ تم اكتشاف سلاحف منقار صقر نادرة ولأول مرة في قطر والخليج العربي، ففي التاسع من مايو 2020، وأثناء عمليات مراقبة الأعشاش برأس لفان، فوجئ فريق الباحثين بمركز العلوم البيئية (ESC) بجامعة قطر أن أحد الأعشاش نتجت عملية فقس البيض فيه عن 14 سلحفاة صغيرة ذات لون أصفر شاحب من إجمالي 63 بيضة، أي بمعدل (22.2%). وأيضًا في التاسع من يوليو 2020 وجد الفريق عش آخر، ونتجت عملية الفقس فيه عن سلحفاة خضراء وأربع سلاحف بلون أصفر شاحب (كريمي) من إجمالي 85 بيضة أي بمعدل (6%).

تعد هاتان المشاهدتان نادرتان على شواطئ قطر والخليج العربي، ونتيجة لذلك قام عدد من أعضاء الفريق العلمي في مركز العلوم البيئية بدراسة هذه الظاهرة وأسبابها. وقد توصل الفريق بعد البحث والمعاينة إلى أن السبب الكامن من خلف هذه الظاهرة يُعزى إلى افتقار سلاحف منقار الصقر الصغيرة، وبشكل ملحوظ للخلايا الصبغية المعروفة بمادة أو صبغة "الميلامين"، حيث أن هذه المادة تلعب دورًا أساسيًا في نوعية اللون، وهو ما يكسب لون الجلد والعينين والشعر والريش ألوانهم المختلفة في الكائنات الحية. وبما أن السلاحف التي وجدت على شواطئ راس لفان تميز لون جسمها الخارجي باللون الأصفر الباهت وأخرى باللون الأخضر، ولكنها جميعا احتفظت بسواد عيونها، فهذا يعني أنها تندرج اصطلاحًا تحت ما يعرف بالبهاق أو ("اللـوسـستــس" (leucistic، وهو فقدان جزئي للخلايا الصبغية، مما جعل هذه السلاحف تظهر بهذه الألوان، وهذا له أسباب متعددة، منها: حدوث خلل أو تعطيل أو توقف الخلايا في أداء وظائفها في انتاج صبغة "الميلانين".

وهنا يجب التمييز بين هذا النوع من السلاحف والسلاحف الأخرى التي قد يظهر جسمها باللون الأبيض، بما في ذلك عيونها بسبب فقدانها لجميع الخلايا الصبغية. فهذا النوع من السلاحف يعني أنها مصابة بمرض البرص المعروف اصطلاحا بالمهق "Albinism"، وهو مجموعة من الاضطرابات الوراثية أو طفرة في الجينات التي تؤدي إلى استحالة إنتاج صبغة الميلانين، أي أن هذه الأنواع من السلاحف لا يوجد لديها خلايا صبغية على الإطلاق. والمهق هو مرض وراثي بسبب وجود جين متنحي عند كلا الأبوين. لذلك فإن نسبة ظهور المرض يكون في ربع الأبناء، والباقي يحمل جزء منهم الجين المتنحي، ولا يحمل واحد من الأبناء، أي جين متنحي لالتقاء الجينات السائدة عنده، أي أنه سليم جينيًا، ولم يتوصل العلماء حتى الآن للسبب الجوهري في التوقف عن إنتاج الخلايا الصبغية، ولكن البعض منهم يعزوا ذلك إلى أسباب تكون ذات صلة باضطرابات في الجهاز المناعي تؤثر على الخلايا الصبغية في الجلد وتدمرها، أو أنه لأسباب وراثية، أو بسبب التعرض لتأثير الاشعاع الشمس، أو بسبب التوتر أو التعرض للكيماويات الصناعية، أي أن سبب المهق مختلف تمامًا عن سبب البهاق وفرص توريث مرض البهاق ضئيلة للغاية بخلاف فرص توريث المهق.

وتعتبر هذه الطفرة خطرًا على حياة سلاحف منقار الصقر، وفي ذلك قال الدكتور جاسم الخياط المدير التنفيذي للمشروع: "إن وجود بشرة بيضاء لا يساعد السلاحف البحرية في المناورة والتمويه، ويعد هذا عاملًا حاسمًا يحدد بقائها، فعلى مدى ملايين السنين من التطور، طورت الكائنات الحية بما فيها السلاحف الكمية الصحيحة من الخلايا الصبغية لتنسجم مع موائلها ومحيطها. ولكن الاضطرابات المفاجئة في تصبغ الجسم تجعلها تبرز بشكل واضح جدًا في البرية، مما يجعلها أهدافا أسهل للحيوانات المفترسة، وبذلك نأمل أن تتمكن هذه السلاحف من البقاء والنجاة في الحياة الطبيعية".

من جانبه، قال الأستاذ الدكتور حمد الكواري مدير مركز العلوم البيئية بجامعة قطر ورئيس المشروع: "لا تقف مرحلة دراسة سلاحف منقار الصقر البحرية التي يقوم بها مركز العلوم البيئية مع انتهاء الموسم، بل تبدأ مرحلة جديدة متممة لمرحلة العمل الميداني، إذ يقوم الباحثين المختصين بالمركز بتحليل كافة العينات والبيانات الرقمية الخاصة بأعداد السلاحف وبيضها وصغارها وبيانتها المورفولوجية المختلفة التي تم جمعها أثناء الموسم لمقارنتها مع بينات السنوات السابقة للوقوف على أهم الظواهر المستجدة حول السلاحف في المياه القطرية. بالإضافة لعمليات الرصد والتعقب للسلاحف عبر الأقمار الاصطناعية طوال العام وفحص الحامض النووي وغيرها من فحوصات مختلفة لعينات تم جمعها من السلاحف أو من صغارها. ويتم أيضا تحليل عينات من الأعشاش والبيئة المحيطة بها لمعرفة ما يكتنف هذه البيئة من ظواهر وعوامل وتوثيقها في تقارير تقدم للجهات المعنية. وبذلك يستفاد من المعلومات والبيانات في نشر دراسات ومقالات علمية حول السلاحف في قطر في الحوليات العلمية العالمية المتخصصة".

ومن الجدير بالذكر أن سلاحف منقار الصقر تعشش سنويًا في قطر في الفترة ما بين شهر إبريل ومايو، وتمتد فترة التعشيش حتى منتصف يونيو. وتعد الشواطئ الشمالية ومنها راس لفان واحدة من أهم مواقع التعشيش المفضلة والرئيسة لهذا النوع من السلاح، وقد حضي المشروع العام الماضي، وهذا العام بدعم من قطر للبترول (2019-2020). ففي هذه السنة قام مركز العلوم البيئية بإنشاء مفرخ (مفقس) جديد لأعشاش السلاحف بمدينة راس لفان الصناعية. وتعود الأسباب الأساسية لنقل الأعشاش إلى المفرخ هي أن منطقة التعشيش غير آمنة بسبب وجود عدد كبير من الثعالب التي تقوم بحفر الأعشاش وأكل البيض.
copy short url   نسخ
22/07/2020
560