+ A
A -

الدوحة /قنا/ تلقت منظمة الصحة العالمية ضربة موجعة بانسحاب الولايات المتحدة رسميا من عضويتها، بعد اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لها بالانحياز للصين خلال معالجتها لجائحة فيروس كورونا الراهنة حول العالم.
وسيدخل الإجراء الأمريكي حيز التنفيذ بعد عام واحد وتحديداً يوم السادس من يوليو 2021، لكن هذا القرار يستنزف موارد المنظمة ويهدد برامجها الصحية للبلدان الأكثر فقراً، لأن واشنطن تعد الممول الرئيسي للمنظمة بنسبة عشرين بالمائة من ميزانيتها السنوية المقدرة بمليارين وثمانمائة مليون دولار، وهي ميزانية وصفتها مصادر صحية بأنها لا تزيد عن ميزانية مستشفى متوسط الحجم لدى بلد متقدم.
وقد دعت المنظمة أعضاءها لتعويض الانسحاب الأمريكي، وأعلنت الصين التزامها بالمساهمة بمبلغ 1,1 مليار دولار لدعم المنظمة، والتي أنشأت بدورها قبل يومين من القرار الأمريكي، مؤسسة تهدف إلى تلقي التبرعات من كل الجهات والمواطنين بجميع أنحاء العالم .
وتمول المنظمة ميزانيتها من مصدرين هما الرسوم المستحقة من الدول الأعضاء، والباقي من مساهمات طوعية من الدول الأعضاء، والمنظمات الخيرية والحكومية الدولية والقطاع الخاص.
وتسهم الأموال الأمريكية بشكل رئيسي بتمويل برامج المنظمة عبر أفريقيا والشرق الأوسط، وعمليات الطوارئ الصحية، وبرامج التصدي للأمراض التي تصيب الأطفال وتحسين الوصول للخدمات الصحية والوقاية من الأوبئة ومكافحتها.
واعتبرت مصادر أمريكية قرار الانسحاب فوزاً كبيراً للصين وضربة كبيرة للشعب الأمريكي، وقالت إن خروج الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية أثناء ذروة المعركة ضد أسوأ جائحة عالمية منذ قرن، يجعل الأمريكيين أكثر عرضة للخطر وإصابة بالفيروس من خلال المسافرين منها وإليها .
ويعتقد المراقبون أن معالجة منظمة الصحة العالمية لوباء كورونا لم تكن مثالية ، لكنها كانت أكثر من جيدة بما يكفي لتوفير قدر كبير من الإنذار المبكر للدول التي كانت مهتمة ومعنية بالأمر .
ويضيف المراقبون ومصادر طبية وعلمية عالمية إن الخطوة الأمريكية من شأنها أن تحدث تصدعا بالجبهة الدولية، وتضعف قدرات منظمة الصحة العالمية التي تحتاج خلال هذه الفترة إلى تضافر الجهود لمكافحة فيروس كورونا وإنتاج لقاح يخلص العالم من الوباء، وإلا فإن عمر الجائحة سوف يطول أكثر من المفترض والمتوقع .
ويضيف الخبراء الصحيون إن الخطوة الأمريكية ستفقد واشنطن دور الريادة العالمية الذي تلعبه، وقدرتها على التأثير على المعايير والممارسات العلمية والطبية بجميع أنحاء العالم، كما ستحرمها من الاطلاع على أحدث التقارير والمعلومات الخاصة بانتشار الأمراض والأوبئة والتهديدات الصحية من كافة أنحاء العالم ، وبالتالي سيفقد المجتمع الدولي بأسره، ما يسعى إلى كسبه من خلال التعاون وهو القدرة على وضع معايير حول أفضل طريقة للمضي قدما بمواجهة الأزمات الصحية.
ويشير الخبراء إلى أنه في حال نجاح أي جهة غير أمريكية بإنتاج لقاح لفيروس كورونا، فسوف يعني ذلك أن الأمريكيين لن يكونوا في الصفوف الأولى للذين يحصلون على هذا اللقاح، وهو ما يعني أن الانسحاب قد يكلف واشنطن المزيد من الأرواح والضحايا.
وكانت الولايات المتحدة قد ساعدت بتشكيل منظمة الصحة العالمية، ولايزال المسؤولون والعلماء والأطباء الأمريكيون يقومون بأدوار رئيسية فيها، لدرجة أن بعض الدول الأعضاء اشتكت من زيادة النفوذ الأمريكي داخل المنظمة.
وقد تأسست منظمة الصحة العالمية عام 1948، أي قبل أكثر من 70 عاماً، وهي تلعب دوراً حاسماً على مستوى العالم للتأكيد على أن نهج حماية صحة البشر بجميع أنحاء العالم، كما تشكل اعترافاً عالمياً بأن صحة البشر بأي مكان على وجه الكرة الأرضية هي مسؤولية جماعية مشتركة، وأن الأزمة الصحية بأي جزء من العالم يمكن أن يكون لها تأثير واسع النطاق على صحة الناس بالبلدان الأخرى .
تتكون المنظمة من 194 دولة عضو، وتجتمع مرة واحدة كل عام لتحديد أولوياتها وقيادتها وميزانيتها، وتنفذ برامجها ومشاريعها ومهامها الطبية من قبل طاقم يضم أكثر من 7000 من الأطباء والخبراء وعلماء الأوبئة والخبراء الاقتصاديين والإحصائيين، ومن خلال مكاتبها المنتشرة بجميع أنحاء العالم.
وتتولى منظمة الصحة العالمية تنسيق الاستجابات الدولية لقضايا الصحة العامة، وتزود الدول الأعضاء بالمبادئ التوجيهية القائمة على الأدلة لتصنيف الأمراض والقضاء عليها.
وقد شاركت المنظمة ببعض الحملات الصحية الأكثر أهمية خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين، ونجحت برامجها بالقضاء على مرض الجدري الذي ظل لعقود يقتل مليوني شخص كل عام، حيث عملت على ضمان توافر لقاح الجدري، وقدمت الدعم الفني للدول الأعضاء حتى تم القضاء نهائياً على المرض عام 1980.
كما لعبت المنظمة دوراً فعالاً للحد من انتشار الحصبة والسل، وساعدت تقريباً بالقضاء على شلل الأطفال، لكن المنظمة تعثرت بحالات أخرى ومنها محاولتها التصدي لتفشي فيروس إيبولا عام 2013 بغرب أفريقيا .
ويرى المراقبون أن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة قد تكون نقطة حاسمة بالنسبة لمصير الانسحاب الأمريكي، وقد تأتي برئيس جديد يغير الموقف الأمريكي، حيث تعهد المرشح الديمقراطي لهذه الانتخابات / جو بايدن / بإلغاء قرار الانسحاب حال فوزه بالاستحقاق الرئاسي المقبل، وقال إن الأمريكيين سيكونون أكثر أمانا عندما تلتزم الولايات المتحدة بتعزيز الصحة العالمية.
copy short url   نسخ
12/07/2020
554