+ A
A -
الوطن- وكالات-
عاد العقار المضاد للملاريا، «هيدروكسي كلوروكين»، لإثارة الجدل في عالمي الصحة والسياسة، بعد أيام قليلة من إعلان منظمة الصحة العالمية وقف استخدامه في التجارب السريرية لعلاج مرضى «كوفيد - 19». وزادت حدة هذا الجدل بعد تأكيد رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة، أمس في مؤتمر صحافي أنه يتناول العقار كإجراء وقائي، وزعمه بأن «غالبية قادة العالم» يقومون بالشيء نفسه.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد أعلن تناول العقار لمدة أسبوعين بغية الوقاية من الفيروس، فيما حذّرت منظمة الصحة من مخاوف تتعلق بتأثير «هيدروكسي كلوروكين» على صحة بعض الأشخاص. وخلال مؤتمر صحافي مع السفير الأميركي في السلفادور، التي تلقت تبرعاً بـ250 جهاز تنفس صناعي من الولايات المتحدة، قال أبو كيلة إنه «يتناول عقار هيدروكسي كلوروكين، كما يفعل الرئيس الأميركي، وأغلب قادة العالم للوقاية من الإصابة بالفيروس»، وفق ما نقلت عنه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

أما على الصعيد العلمي، فقد تعرضت الدراسة التي دفعت منظمة الصحة إلى وقف تجارب «هيدروكسي كلوروكين» لهجمات من كل حدبٍ وصوب، ما يعيد إحياء النقاش حول هذا العقار المثير للجدل، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وتستند الدراسة المذكورة التي نُشرتها مجلة «ذي لانسيت» في 22 مايو (أيار)، إلى بيانات حوالي 96 ألف مريض أدخلوا إلى المستشفيات بين ديسمبر (كانون الأول) وأبريل (نيسان) في 671 مستشفى، وتقارن حالة أولئك الذين تلقوا العلاج بحالة الذين لم يُعط لهم.

وخلص الدكتور مانديب مهرا وزملاؤه إلى أن العلاج لا يبدو أنه مفيد للمصابين بكوفيد - 19 الذين يتمّ إدخالهم إلى المستشفى وقد يكون مضراً. وبعد ثلاثة أيام من ذلك، أعلنت منظمة الصحة العالمية تعليق، على سبيل الوقاية، التجارب السريرية التي كانت تجريها على هذا العقار مع شركائها في عدة دول. كما تمّ تعليق تجارب سريرية أخرى، وحظّرت بعض الدول من بينها فرنسا استخدام الهيدروكسي كلوروكين، لعلاج كوفيد – 19، وسط استياء كبير لدى المروّجين له.

وأولهم كان البروفسور ديدييه راوول، الذي اعتبر فوراً أن دراسة «ذي لانسيت» «لا قيمة لها». وتعرضت أعماله التي خلصت إلى فاعلية تناول الهيدروكسي كلوروكين مع مضاد حيوي الأزيتروميسين، للانتقاد.

لكن حتى باحثين مشككين في فعالية العقار ضد كوفيد – 19، عبّروا عن شكوكهم بدراسة «ذي لانسيت». وفي رسالة مفتوحة نُشرت مساء الخميس، أشار عشرات العلماء من جميع أنحاء العالم من جامعة هارفارد إلى إمبريال كوليدج في لندن، إلى أن دراسة ما نُشرت بشكل دقيق «أثارت مخاوف على صلة بالمنهجية المتبعة وبسلامة المعطيات». ووضعوا قائمة طويلة من النقاط الإشكالية، بدءاً من التناقضات في الجرعات المعطاة في بعض الدول، إلى مسائل أخلاقية بشأن جمع المعلومات عن المرضى، مروراً برفض معدّي الدراسة السماح بالاطلاع على البيانات، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.

وتأتي هذه البيانات من شركة «سورجيسفير» التي تقدّم نفسها على أنها شركة تحليل بيانات صحية ومقرها الولايات المتحدة. وأكدت الشركة أن الاتفاقات مع شركائها المستشفيات تمنعها من تشارك البيانات التي دافعت عن نزاهتها. إلا أن مجلة «ذي لانسيت» نشرت الجمعة تصحيحاً بشأن وفيات نُسبت إلى مستشفى أسترالي، كان قد تمّ احتسابها على أنهم في آسيا.

وقال العلماء الموقعون على الرسالة المفتوحة إن هذا الأمر «يشير إلى الحاجة للتحقق من الأخطاء في مجمل قاعدة البيانات»، مطالبين على سبيل المثال منظمة الصحة العالمية بأن تشكل مجموعة مكلفة إجراء تحليل مستقل حول نتائج الدراسة.

ورداً على أسئلة حول هذه المسألة الجمعة، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن تعليق التجارب على الهيدروكسي كلوروكين «مؤقت»، وأن خبراءها سيعطون «رأيهم النهائي» بعد دراسة عناصر أخرى (لا سيما التحاليل المؤقتة لتجربة سوليداريتي)، على الأرجح بحلول منتصف يونيو (حزيران). ويُرتقب صدور معطيات من تجربة «ريكوفري» البريطانية، ويشمل جزء منها الهيدروكسي كلوروكين. ويعتبر المسؤولون عن هذه التجربة أنه، استناداً إلى بيانات الوفيات لديهم، ليس هناك «سبب مقنع لتعليق» تجربتهم «لأسباب متعلقة بالسلامة». وأيّد البروفسور راوول الدراسة التي وقعها زميل له البروفسور فيليب بارولا، وكتب في تغريدة مستشهداً بكلام لوينستون تشرتشل: «ليست النهاية. ليست حتى بداية النهاية. لكن قد تكون نهاية بداية... الحرب على الكلوروكين». لكن جميع الموقعين على الرسالة المفتوحة ليسوا مدافعين عن الهيدروكسي كلوروكين. وكتب البروفسور فرنسوا بالو، الأستاذ بكلية يونيفيرسيتي كوليدج في لندن، في تغريدة: «لدي شكوك جدية حول فوائد علاج كوفيد - 19 بالكلوروكين-هيدروكسي كلوروكين، وأنا أتطلع إلى نهاية لهذه المسألة، لكنني أعتقد أنه لا يمكن التطرق إلى نزاهة البحث فقط عندما لا تسير مقالة ما في اتجاه يؤيد تصوراتنا المسبقة». وأضاف: «لقد أضفت اسمي إلى الرسالة المفتوحة بقلب ملؤه الأسى».

وتشارَك الكثير من العلماء مخاوفهم بشأن تأثير هذه القضية على العلم، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال البروفسور غيلبير دوراي من مستشفى «بيتيي - سالبيتريير» الجامعي في باريس: «إذا كان مقال (ذي لانسيت) مزوراً، فهذا الأمر سيحطم الثقة بالعلماء بشكل مستدام». وأضاف: «أنتظر بقلق نتائج التحقيق».

copy short url   نسخ
31/05/2020
621