+ A
A -
انتشرت خلال السنوات العشر الماضية ظاهرة «ملء العش الفارغ» في الريف الإسباني، حيث تنتشر الأسر الصغيرة «زوج وزوجة مسنين» وربما أرمل منفرد أو أرملة، يقيمون في منازل كبيرة وحدهم، وبسبب الوحدة وقسوتها تقوم هذه الأسر أو الأرامل المسنون بنشر إعلانات في الصحف الإسبانية عن حاجتهم لمستأجرين لغرف بمنازلهم، ليس بسبب الحاجة إلى المال، وإنما بحثاً عن الونيس.
ملء العش الفارغ
تقول باز ألمودوبار، الباحثة الاجتماعية بجامعة برشلونة لـ الوطن: إن ظاهرة «ملء العش الفارغ» بدأت في الظهور منذ أوائل القرن الجاري، حيث تزايدت أعداد الأسر الصغيرة «زوج وزوجه مسنين أو أرمل أو أرملة» يعيشون في منزل كبير في الريف المحيط بالمدن الكبرى، خاصة مدريد وبرشلونة، وبسبب وحشة الوحدة تلجأ هذه الأسر إلى تأجير غرفة أو أكثر في منازلهم للطلاب الوافدين من خارج إسبانيا، أو الإسبان، أو المهاجرين الأجانب، للتغلب على الوحدة، وفي أغلب الأحيان لا تتقاضى الأسر قيمة الإيجار من الطلاب، بل ولا حتى قيمة المساهمة في الطعام والشراب ومصروفات المنزل، وهذه الظاهرة تزايدت بشكل كبير خلال السنوات الخمسة الماضية، بسبب التركيبة السكانية للريف، فغالباً ما يهاجر الأبناء إلى المدن أو إلى خارج إسبانيا تاركين الأب والأم، أو أحدهما وحيداً في المنزل في الريف، ومع الوقت ينشغل الأبناء بشكل كامل عن والديهم في الريف، فيضطر الوالدان أو أحدهما إلى استئجار جزء من منزله– استئجار الونيس- للتغلب على الوحدة.
شعور الأسرة
وتضيف، أن الصحف الإسبانية لا تخلو يومياً من مثل هذه الإعلانات، ويقبل عليها شباب المهاجرين بشكل أكبر، لكونها غير مكلفة، وأيضاً لأنها الأفضل في كل شيء بالنسبة لهم، فهم محرومون من الأهل، ويحتاجون إلى هذا الشعور، كما تحتاجه الأسر الصغيرة التي تلجأ إلى تأجير غرف من منازلهم، وتكون في الغالب– بنسبة 80 بالمائة- حياة ناجحة جداً وهناك حالات لمهاجرين حصلوا على منازل كاملة في الريف– بالتنازل بعد الوفاة- بعد أن أحبهم مستضيفوهم وتنازلوا لهم عن منازلهم كنوع من الامتنان أو العرفان بالجميل، ومثل هذه الحالات في تزايد مستمر، بسبب تزايد هجرة الشباب الإسباني من الريف إلى المدينة، ورفض الوالدان أو أحدهما الهجرة مع الشباب وترك الريف.
رفض الوحدة
أما انطونيو اسبيريت، أستاذ علم الاجتماع بجامعة برشلونة، فيرى أن طبيعة البشر عموماً والشعب الإسباني على وجه الخصوص ترفض الوحدة وتكرهها، لذلك وجد أغلب المسنين في إسبانيا وتحديداً في الريف ضالتهم في تأجير غرف في منازلهم لمهاجرين، وبعض هذه الأسر في المناطق السياحية تطور الأمر لديها، فلجأت إلى أسلوب تأجير الغرف إلى السياح، للتعرف على الثقافات المختلفة والانخراط معها بالمعاشرة، وتكوين الصداقات حول العالم، وأيضا جني شيء من المال، وأصبحت هذه الممارسات منتشرة جدا في أسبانيا، حيث تشير آخر الإحصائيات التي الصادرة في أكتوبر الماضي إلى أن هناك أكثر من 100 ألف أسرة إسبانية تؤجر «أعشاشاً» للمهاجرين وللسياح في 9 مدن إسبانية، وأن 31 بالمائة منها في المدن، و69 بالمائة في الريف، وأن 71 بالمائة يؤجرون لطلاب أجانب، أما الـ29 بالمائة الباقية فيؤجرون الغرف إلى سياح، وكذلك أوضحت الإحصائية أن 83 بالمائة من المليون أسرة لا يؤجرون غرفاً في منازلهم بسبب الحاجة إلى المال، وإنما من أجل «الونيس»، وأغلب هؤلاء يتبرعون بقيمة الإيجار من أجل المهاجرين والجمعيات الخيرية، وبعضهم يترك المال للمستأجر نفسه مقابل الطعام، وأكدت الدراسة أن جميع الحالات التي حصرها تتمتع بعلاقات طيبة بين المالك والمستأجر أو بين العائلة والمهاجر، وتسود بينهم مشاعر الأسرة المترابطة، بشكل كبير جداً، وهو ما يشير نحو تزايد هذه الظاهرة في المستقبل، وتوقعت دراسة حديثة مبنية على الإحصائية، أن يصل العدد إلى 200 ألف أسرة بحلول عام 2020، يتمركز أغلبها في الريف القريب من المدن الكبرى مثل «مدريد، وبرشلونة، وقرطبة، وغرناطة، وبنبلونة، وبلباو، وكارتاخينا، وأسبيلية، ومالقا»، ولم تسجل الدراسات أي سلبيات تذكر لهذه الظاهرة خلال أكثر من 15 عاماً، كما لم تتوقع أي آثار سلبية في المستقبل.
ويؤكد اسبيريت، أن مثل هذه الحالات تتعاطف معها جميع السلطات المعنية بالرقابة سواء الضرائب أو الحصر السكاني وحتى السلطات الأمنية، وكذلك الصحف، فأغلب الصحف جعلت مثل هذه الإعلانات – البحث عن مستأجرين مهاجرين- مجانية، وتنشرها دون أي مقابل، لتحقيق «الونيس» للمسنين، وشكل للمهاجرين وهو عمل يراه أغلب المواطنين في أسبانيا أنه عمل إنساني بحت، لذلك فالجميع يدعمونه ويساندونه بكافة السبل.
copy short url   نسخ
17/02/2017
1524