+ A
A -
كتب - أنس عبد الرحمن
حرمت إجراءات الحصار التي تفرضها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، على دولة قطر؛ نحو 6474 ألف أسرة مشتركة من الحق في لم الشمل؛ حيث وضعت سلطات دول الحصار مئات السعوديين والبحرينيين والإماراتيين أمام خيار صعب؛ إما تجاهل أوامر بلادهم بمغادرة الدوحة أو ترك عائلاتهم ووظائفهم؛ في حين أجبرت قطريين على مغادرة أراضيها.
في المقابل انعكست هذه الإجراءات التعسفية على حياة مئات الأطفال الذين باتوا خارج حسابات دول الحصار خلال الأزمة، إذ وجدوا أنفسهم بين يوم وليلة مهددين بفقدان أحد الوالدين، وهو ما يترك آثارا نفسية بالغة بحسب أختصاصيين؛ حيث تؤكد الدكتورة أميرة يوسف آل إسحاق، أن البيئة التي خلقتها دول الحصار من خلال تشتيت العائلات بيئة غير صالحة لتنشئية الأطفال بطريقة صحيحة، إذ أن الطفل في سن لا تسمح له بمعرفة الاسباب الحقيقة التي أدت إلى حرمانه من رؤية الوالد أو الوالدة، مشيرة إلى أنه ربما يفكر في أن ما يحدث نتيجة عقاب من الأسرة، أو أنه طفل غير مرغوب فيه.
وأكدت آل أسحق على أن الظروف التي فرضتها دول الحصار غير صالحة للتنشئة، وتترك أثرا نفسياً عميقاً لدى الطفل ينتج عنها اهتزاز ثقته في نفسه؛ لافتة إلى أن انتهاك الحق في لم الشمل له تأثيرات نفسية بالغة على البالغين، ناهيك عن أطفال غير مدركين للأسباب الحقيقية التي أدت إلى تشتيت الأسرة.
وأشارت آل إسحاق إلى أن القوانين في دول الحصار لا تعمل على حماية المرأة والطفل بشكل كاف، الأمر الذي يعمق من المشكلة أكثر.
وبحسب الاحصائيات الرسمية فإن 6474 أسرة مشتركة بين قطر والدول الثلاث تضررت من هذه القرارات، حيث هناك 3138 قطريا متزوجا من سعودية، و1055 متزوجا من إماراتية، و944 متزوجا من بحرينية. في المقابل فإن 556 قطرية متزوجة من سعودي، و380 قطرية متزوجة من إماراتي، وقد بلغ عدد القطريات المتزوجات من بحرينيين 401 قطرية. وهو ما يعد انتهاكا صريحا لحق لم الشمل الأسري، والذي يؤدي انتهاكه إلى بعض التأثيرات النفسية على الأطفال والنساء، كما أن عدم السعي الفوري لإيقافه سوف يؤدي لا محالة إلى تمزيق وضرب النسيج الأسري والاجتماعي. يقول أبو سالم، الذي فضل حجب اسمه حتى لا يتسبب في أي اضرار محتملة لزوجته البحرينية، إن رضيعه وزوجته محتجزان في المنامة بعد أن منعتهما السلطات البحرينية من مغادرة أراضيها. وأضاف أنه لا يعرف مصير طفله الرضيع بعد أن أتم المهلة القانونية التي منحتها البحرين للمواطنين القطريين، في الوقت الذي لا يستطيع الرضيع السفر لوحده! وقال إن اسرته اليوم مشتتة بين قطر والبحرين، ويتساءل اطفاله عن متى تعود والدتهم إلى البيت، مشيراً إلى أن العيد مر عليهم بلا طعم، بعد أن فقد صغارهم السعادة، وباتوا يعانون من فقد والدتهم. ووفقاً لاحصائيات رسمية، يصل عدد الأسر القطرية- البحرينية المشتركة، إلى 1345 أسرة، وجميعهم مهددين بتفريق الشمل. وقد أظهرت التقارير الصحفية خلال الأيام الماضية عشرات الحالات المشابهة.
وليس ببعيد عن قصة أبو سالم، فإن هناك آلاف الحالات المشابهة، منها، شكوى من مواطنة قطرية متزوجة من مواطن سعودي متوف، وهي لديها ولاية شرعية لرعاية أولادها، ومنهم طفل معاق ذهنياً، حيث تواصلت مع إدارة الجوازات بالمملكة العربية السعودية لتستفسر عن وضعها القانوني في المملكة، وتمت إفادتها أنه عليها مغادرة المملكة العربية السعودية وترك أولادها السعوديين ومنهم الطفل المعاق الذي يحتاج إلى رعاية دائمة من أمه. بالإضافة إلى شكوى من مواطنة قطرية وهي تقيم في البحرين مع أبنائها الذين يحملون الجنسية البحرينية، منهم ابن يعاني من إعاقة ذهنية ويحتاج لرعاية خاصة. حيث وردها رد من وزارة الداخلية البحرينية – إدارة الجوازات بضرورة مغادرة البلد كونها تحمل الجنسية القطرية، حيثُ تم إبلاغها أنه في حال مخالفة تلك الأوامر الصادرة من الحكومة سوف تُفرض عليها غرامات وستعُتبر إقامتها غير شرعية وسيتم ترحيلها في حال بقائها بالبحرين.
وفي شكوى أخرى قال مواطن سعودي متزوج من قطرية ويعمل في قطر ولديه أبناء يتلقون تعليمهم في دولة قطر، إنه طُلب منه مغادرة قطر برفقة الأبناء دون الزوجة، وإلا سيتعرض لعقوبات قاسية.
وكانت دول المقاطعة أصدرت في وقت سابق توجيهات بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر المشتركة مع دولة قطر، بعد ضغوط دولية كبيرة من منظمات إقليمية ودولية معنية بحقوق الإنسان نددت بحالات الانتهاكات التي يعيشها آلاف المواطنين القطريين والخليجيين؛ في الوقت الذي شهدت فيه الأيام الماضية تحركات حثيثة من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة لمعاجة الأوضاع الحقوقية والإنسانية الناجمة عن هذا الحصار.
وتأتي خطوة الدول المقاطعة بعد اجتماع المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحددة بسفراء هذه الدول في منظمة الأمم المتحدة بجنيف، واطلاعهم على تقارير اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر، ومطلب اللجنة بسرعة التدخل، وقد أقر السفراء جميعهم بالوضع الإنساني والحقوقي الماساوي وطلبوا من المفوض مهلة للتباحث مع دولهم حول الوضع.
في المقابل قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان إن ما أصدرته الدول المقاطعة من توجيهات بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر المشتركة مع دولة قطر، غامضة وتفتقد لآلية عملية للتطبيق على أرض الواقع، مشيرة إلى أنها أهملت معالجة المسائل الحقوقية والقانونية.
وعبرت اللجنة، في بيان صحفي، عن خشيتها من أن تكون هذه الخطوة من أجل تحسين صورة هذه الدول أمام الرأي العام فقط، لاسيما بعد ما تسببت فيه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان نتيجة الإجراءات التعسفية والحظر والحصار الذي فرضته على دولة قطر.
copy short url   نسخ
04/10/2017
2259