+ A
A -
عمان – الوطن - د. محمد الظاهر
في روايته «ألف» التي تعتبر الأكثر تعبيرا عن شخصيته حتى الآن، يعود الروائي الأكثر مبيعا على المستوى العالمي، باولو كويلو ليقدم لنا من خلال رحلة رائعة صورة من صور الاكتشاف الذاتي، وكما كان الحال مع شخصيته المحببة الكيميائي، يعود باولو كويلو للبحث عن معبر وممر للتجديد الروحي. لذلك يقرر البدء من جديد السفر، وإعادة التواصل مع الناس والطبيعة من حوله.
هذه الرحلة تبدأ من حرف الضاد العربي ألف الذي اختاره كويلو عنوانا لروايته، وتطوف بنا في أرجاء الروحانية الإسلامية من خلال اختياره لفتاة تركية تفتح أفقا لهذه الرحلة التي يطوف بها قارات العالم القديم آسيا وافريقيا وأوروبا، مع بطلة روايته التركية «هلال» التي رأى فيها ذاتا مكملة لذاته.
وهو في هذه الرحلة لا يجد نفسه غريبا، يقول: يتعين عليك أحيانا السفر بعيداً للعثور عما هو قريب.
ويشعر كذلك بهذا القرب لدرجة التوحد مع الآخر، حين يقول لرفيقة رحلته: «لست أجنبياً لأننا جميعاً مسافرون، تساورنا الأسئلة نفسها، التعب نفسه، المخاوف نفسها، الأنانية نفسها، والكرم نفسه، لست أجنبياً لأنني عندما طُلبتُ وجدتُ، وعندما قرُعتُ الباب فُتح لي وعندما بُحثتُ عثرتُ».
هذه الرواية الرائعة والممتعة، والقريبة من النفس، تجذبك لقراءتها وتشجعك باستمرار على استكمالها لأنها تخاطبك أنت وكل من يواصل رحلته في البحث عن ذاته، فقد بَرعَ باولو كويلو في الوصف في هذه الرواية، وكعادته وعلى طول صفحات الرواية يقدم لنا مجموعة من الجمل والحكم التي لا يمكن أن تمر عليها سريعاً بل تحتاج إلى أن تتّمعن في قراءتها حتى تأخذ طريقها إلى روحك.
بدأ كويلو هذه الرحلة الرائعة، وهو يضع في وجدانه العديد من الأفكار التي يريد أن يوصلها للقارئ، وهي أن من يؤمن بالنصر سوف ينتصر، لأن النصر سيؤمن به، ولكن هذا الأمر يحتاج بالطبع إلى لمسة من جنون.
وأن الاستاتيكية والجمودية والروتين يكمن فيها مقتل الإنسان، إذ لا يستطيع المرء أن يفهم ما يجري داخله إن لم يستطع فهم ما يجري في العالم، لأن الأشياء لا تسعى إلينا وإنما نحن الذين نسعى إليها، فالتواصل الإنساني مهم جدا للمرء.
يقول: الأمور المهمة التي تلازمنا هي اللحظات التي قضيناها نستمع إلى أشخاص يُغنون، يروون القصص، ويستمتعون بالحياة.
فهو يرى أن «البحث عن السلام هو شكل من الاشكال التي تولد النور والحرارة، فلتنس نفسك لبعض الوقت ولتفهم أن الحكمة تقبع في ذلك النور، وأن التعاطف يقبع في تلك الحرارة، فيما تسافر عبر هذا الكوكب، حاول أن تدرك الشكل الحقيقي للسماوات والأرض، ولن يكون ذلك ممكناً إلا إذا استطعت أن تحول دون إعاقة الخوف لنفسك وأن تضمن حركاتك ومواقفك في توافق مع أفكارك».
في حوار مكثف وقصير قال كويلو عن هذه التجربة: يجب على الجميع مغادرة مناطق راحتهم من وقت لآخر، فالروحانية ليست صلاة وتأملا فقط، إنها بحاجة إلى فعل.
وأضاف: الكثير من القرارات الصغيرة ربما تحمل في طياتها نتائج هامة، وككاتب يتحتم علي أن تكون لدي فرصة ثانية وثالثة وربما احدى عشرة فرصة، من أجل الوصول إلى ما أخطط له وأسعى إلى تحقيقه.
وفي رده على سؤال: «ماذا تقول لشخص يريد أن يأخذ فرصته الثانية ولكنه يفتقر إلى الثقة بالقيام بذلك»؟
قال: «أقول له: تذكر أنه بإمكانك بيع وقتك، ولكن لا يمكنك شراؤه مرة أخرى». هذا الأمر هو ما يؤكد عليه باولو كويلو في روايته ألف، فهو يرى أن ما نقوم به الآن يؤثر على مستقبلنا، ويؤكد اللحظة المحورية التي يتوجب فيها اختيار الطريقة التي يمكن أن نتصرف بها والتي تحدد مسار مستقبلنا. يقول: «أية لحظة من لحظات حياتنا هي لحظة محورية، كل يوم يوجد فيه لحظة محورية يمكنها تغيير كل شيء، ولكن مشكلتنا تتمثل في أننا نخاف الاعتراف بهذه اللحظة».
وهو يرى أن مفهوم ألف يعني الآن، يعني اللحظة الراهنة، وهي التي تحمل كل عواقب الماضي والمستقبل. في الرواية يؤكد كويلو أن الروتين يمحو الإحساس بالهدف، بل قتله، ويرى أن الناس يرون أن هذا الروتين أمر لا مفر منه. ويحاول أن يقنعهم أن يمنعوا روتينهم من استهلاك مصيرهم. يقول: «يخطئ من يظن أن الروتين أمر لا مفر منه، فنحن حين نكون متحمسين للحياة، يمكننا أن نصبح أفضل حالا مما نحن عليه، وهذا ما يجب علينا فعله». في هذه الرواية ينضم كويلو إلى سلسلة من عظماء وعباقرة الأدب العالمي الذين وجدوا في الموروث الروحاني الشرقي مفتاحا لتفجير عبقريتهم، بدءا بدانتي مبدع الكوميديا الإلهية، مرورا بجوته الألماني الذي رأى في شعر التصوف مصدرا لنقلة نوعية في شعره، وانتهاء ببورخيس الأميركي اللاتيني الذي كانت ألف ليلة وليلة معينا لا ينضب لتخيلاته. ولم يخف كويلو هذا التأثر بالحضارة العربية الإسلامية حين قدم للطبعة العربية من هذه الرواية بالقول: «فيما يتعلق بي كانت الثقافة العربية إلى جانبي معظم أيام حياتي، تبين لي أمورا لم يستطع العالم الذي أعيش فيه، أن يفقه معناها. واليوم أستطيع للمرة الأولى، أن أرد على المكرمة بمثلها وأنا أرى كتبي تنشر في المنطقة نفسها التي كثيرا ما أثارت مخيلتي».
copy short url   نسخ
24/09/2017
1830