+ A
A -
فلسطين- الوطن- أمين بركة


تتفتح شهية الكثير من الباحثين لسبر أغوار العلاقة بين مملكة البحرين والكيان الإسرائيلي، كونها مفتاح فهم أبعاد كثيرة حول قيمة المصالح الحقيقية التي تتحقق لدى الطرفين من هذه العلاقة.
وخلافا لما كان يحدث سابقا، فالتطبيع بين المملكة والكيان لم يعد يجري في جنح الظلام؛ إنما يتم في وضح النهار وأمام عدسات الكاميرات، وحتى عبر زيارات متبادلة لوفود من الجانبين.
وخلال الـ 22 عاما الفائتة، عُقدت العديد من اللقاءات بين مسؤولين بحرينيين وإسرائيليين، بالإضافة إلى بروز تصريحات ومواقف من المنامة تبين مدى هرولتها نحو التطبيع مع تل أبيب. وفي هذا التقرير المفصل تضع الوطن بين أيديكم أهم محطات التطبيع بين الكيان الإسرائيلي ومملكة البحرين.


بالعودة إلى بداية العلاقة بين الجانبين، فإنه في أكتوبر عام 1994 زار وفد دبلوماسي إسرائيلي كبير برئاسة وزير البيئة يوسي ساريد العاصمة البحرينية المنامة للمشاركة في المؤتمر العلمي حول القضايا البيئية، حيث عدت الزيارة جزءا من عملية التسوية بين الإسرائيليين والعرب. كما زار الوفد متحف البحرين الوطني وكنيسا يهوديا وبعض المناطق الأثرية، بالإضافة إلى لقائه بوزير خارجية البحرين في ذلك الوقت محمد بن مبارك آل خليفة ووزير الصحة جواد العريض.
وبعيد عودته، أكد ساريد أن الهدف من زيارته ليس المشاركة في المؤتمر العلمي فحسب، بل تخطاه إلى أكثر من ذلك حيث إنهم سعوا إلى فتح خط اتصال مباشر بين الجانبين الإسرائيلي والبحريني وتحقيق تفاهم متبادل من أجل إقامة علاقات متبادلة، مشيرا إلى أن محمد بن مبارك آل خليفة طلب منه أن ينقل رسالة سلام من مملكة البحرين إلى الشعب الإسرائيلي.
إشادة إسرائيلية بالمنامة
وفي 22 ديسمبر من عام 2015 كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فحوى اللقاء الذي تم بعيد المؤتمر، فقد نقلت «هآرتس» عن غادي بالتيانسكي، الذي شارك في الزيارة وكان في ذلك الوقت مساعدا لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي، قوله: «وزير الخارجية البحريني أعرب عن اهتمامه الكبير بالشؤون الإسرائيلية الداخلية بما في ذلك الخلافات بين حزب العمل وميرتس، وتحدث بإيجابية عن التعاون الإقليمي المحتمل، كما تم اللقاء بطريقة ممتعة وودية»، مشيرا إلى أن آل خليفة عارض بشكل قاطع التغطية الإعلامية للقاء ولم يرغب في ذلك على الملأ».
ونقلت هآرتس عن بالتيانسكي، قوله: «إن الزيارة إلى البحرين تضمنت أبعادا ثقافية وتاريخية، لتسليط الضوء على العلاقات البحرينية المتينة باليهودية»، متابعا «الوفد قام أيضا بزيارة إلى المقبرة اليهودية القديمة في العاصمة المنامة، وهذا الأمر يؤكد كيف يتم الحفاظ على الموقع، ومدى أهميته يعكس علاقاتهم مع اليهود، ومدى تقديرهم لشعور اليهود».
من ناحيته، أوضح مدير إدارة تنسيق المفاوضات المتعددة الأطراف في وزارة الشؤون الخارجية في ذلك الوقت إيلان باروخ، «أنهم ذهبوا إلى المتحف الوطني في البحرين، وكانت زيارة رائعة، وتضمن العرض العملات القديمة التي تم العثور عليها في البلاد، والتي كانت مركزا تجاريا عالميا في العصور القديمة والعصور الوسطى».
وبعيد زيارة ساريد، بقيت العلاقة بين المملكة والكيان يحكمها الجمود والفتور، حتى يوم 29 يناير 2000؛ عندما التقى ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة في دافوس الرئيس الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز، حيث بحثا كيفية تعزيز التعاون بين الطرفين خاصة في مجال التربية والتعليم.
وكشفت تقارير مختلفة حينها، أن ولي عهد البحرين أكد خلال اللقاء أن بلاده تقف بقوة خلف تطبيع العلاقات مع إسرائيل من أجل تعزيز التعاون الإقليمي، مشيرا إلى أن هذا الاجتماع جزء من اجتماعات مختلفة عقدت بين الجانبين.
موقف صادم
أخذت العلاقات بين الجانبين تتعزز أكثر وأكثر، ففي سبتمبر 2005 أعلنت البحرين قرارها برفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية وإغلاق مكتب المقاطعة الإسرائيلية في المملكة.
وبعد هذا الإعلان بتسعة أشهر، أعلن السفير البحريني في واشنطن ناصر البلوشي إرساله رسالة إلى مكتب الممثل التجاري الأميركي جاء فيها «أن البحرين أنهت المقاطعة الثانوية للبضائع الإسرائيلية في العام 1994، وأنها قررت إلغاء المقاطعة الأولية أيضا بهدف تعزيز الأمن والتعاون الإقليمي».
وذكرت مصادر حينها أن رفع الحظر عن البضائع الإسرائيلية وتطبيع العلاقات مع الكيان، جاء بشكل مباشر من قبل المفاوضين الأميركيين وبعض جماعات الضغط السياسي الأميركية التي تتعاطف مع إسرائيل خلال محادثات تصديق اتفاقية التجارة الحرة التي وقعت في سبتمبر 2004، ودخلت حيز التنفيذ في أغسطس 2006. ولقيت هذه الخطوة ترحيبا إسرائيليا، في مقابل انتقادات شعبية محلية كبيرة وإعلان بعض الكتل النيابية البحرينية المعارضة وجود تحركات جادة لمنع دخول البضائع الإسرائيلي للأسواق البحرينية.
لقاءات دبلوماسية
وفي أكتوبر 2007 التقى وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني، حيث بحث معها سبل تطوير العلاقات بين الجانبين.
وفي 18 ديسمبر 2008، أي قبل حرب «الرصاص المصبوب» ضد قطاع غزة بعشرة أيام، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني التقيا ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة سرا في نيويورك، على هامش «مؤتمر حوار الأديان» الذي عقد في الأمم المتحدة بدعوة من الملك السعودي آنذاك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود.
وبينت الصحيفة أن هذا اللقاء يعد الأول بهذا المستوى الرفيع بين مسؤولين إسرائيليين وبحرينيين، مشيرة إلى أن إسرائيل والبحرين تجريان في السنوات الأخيرة اتصالات سرية، لكنها لم تتطور إلى حد إقامة علاقات دبلوماسية أو فتح ممثليات دبلوماسية. وخلال اللقاء دعا وزير خارجية البحرين إلى إنشاء منظمة إقليمية تضم إسرائيل.
وكشفت «يديعوت أحرونوت» في نفس العدد، أن المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، رون بروساور، زار البحرين قبل سنتين بصفته مبعوثا خاصا من ليفني لإجراء حوار سياسي حساس مع المنامة.
أما في يوليو 2009، فقد كشف الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية سابقا يغال بالمور أن وفدا دبلوماسيا بحرينيا مكونا من 3 مسؤولين من وزارتي الخارجية والداخلية وصل إلى الكيان، وثم غادر في نفس اليوم وبصحبته 5 مواطنين بحرينيين احتجزتهم إسرائيل في عرض البحر وهم يحاولون كسر الحصار على قطاع غزة.
دعوة إلى التواصل
وفي 17 يوليو 2009 نشرت صحيفة «واشنطن بوست»، مقالا لولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، قال فيه: «إن العرب بحاجة إلى تفكير جديد إن أرادوا أن تحصل مبادرة السلام العربية على ما تستحقه من تأثير على الصراع العربي- الإسرائيلي الذي يفاقم، دون داع، فاقة الفلسطينيين ويهدد أمن إسرائيل».
واعتبر آل خليفة أن أهم أخطاء العرب فيما يتعلق بالسلام هو افتراضهم أنه أمر سهل، رغم أن الواقع يثبت أنه يتطلب قدرا كبيرا من الدعاية المتأنية والاتصال المتكرر بجميع الأطراف المعنية، مضيفا أن هذا هو المجال الذي «لم نقم فيه نحن كعرب بما يكفي للاتصال المباشر مع شعب إسرائيل».
وزعم آل خليفة إلى أن الإسرائيلي يلتمس له العذر في الاعتقاد أن كل صوت يطلقه المسلم يصدح بالكراهية، لأن ذلك هو في الغالب ما يسمعه.
وأكد أن السلام لن يتحقق ما لم يتم «التشاور مع شعوبنا وتثقيفهم وعبر التواصل مع الشعب الإسرائيلي لتسليط الضوء على مزايا وفوائد السلام الحقيقي».
واقترح آل خليفة في هذا الإطار أن يكون التواصل مع الإسرائيليين عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية المحلية منها والوطنية.
علاقات أمنية
وفي فبراير 2014، كشف تقرير صادر عن الجيش الإسرائيلي وجود تعاون استخباراتي وثيق بين جهاز الموساد الإسرائيلي والسلطات البحرينية، وأن المنامة زودت إسرائيل بمعلومات استخباراتية عن إيران وفصائل المقاومة الفلسطينية.
وفي سبتمبر 2014، قالت البحرين إن وزير خارجيتها خالد بن أحمد آل خليفة التقى على هامش أعمال الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وفدا من اللجنة اليهودية الأميركية في نيويورك وتداول معهم بعض القضايا الإقليمية والدولية وعلى رأسها الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية.
وفي 24 سبتمبر 2016 التقى وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، أعضاء اللجنة الأميركية اليهودية، وذلك في مدينة نيويورك على هامش اجتماعات الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وخلال اللقاء، تم استعراض مسار العلاقات التاريخية بين مملكة البحرين وإسرائيل وسبل الارتقاء بها في كافة المجالات بما يعزز مصالح البلدين، كما تم التطرق إلى أهم القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
تعاون ثقافي ورياضي
كما تعززت العلاقات بين الجانبين البحريني والإسرائيلي في المجال الفني، ففي أبريل 2014، شاركت مجموعة من الفنانين البحرينيين في معرض فني إسرائيلي أقيم في المركز اليهودي العربي بالكيان الصهيوني.
أما في 27 ديسمبر 2016، فقد صدم العرب والمسلمون بالفيديو الذي بثته قنوات تلفزة ومواقع إخبارية إسرائيلية، ويظهر فيه بحرينيون وهم يرقصون إلى جانب حاخامات صهاينة من حركة «أجاد» على إيقاع أغنية تمس بشكل مباشر بالمسجد الأقصى وعروبة القدس المحتلة وإسلاميتها.
وكشفت هذه الوسائل أن الحاخامات قدموا إلى الحفل الذي أقيم في مدينة المنامة، بناء على دعوة الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة نفسه.
وأدانت معظم الفصائل الفلسطينية هذه الزيارة، فقد قالت «حماس» في بيان لها: «إن الوفد الذي زار المنامة صهيوني عنصري متطرف، وأن مشهد الرقص لمجموعة التجار والشخصيات البحرينية مع الوفد الصهيوني مذل ومشين».
بدوره، أدان مدير المسجد الأقصى عمر الكسواني استقبال البحرين لرجال أعمال صهاينة يدعمون إقامة الهيكل المزعوم، ووصف تصرفاتهم بالمخجلة والمسيئة للعرب والمسلمين.
وقد بررت البحرين الاستقبال بأنه لإقامة اتفاقيات تجارية مع رجال الأعمال اليهود؛ إلا أن عضو الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة المقدسات الأب مانويل مسلم وصف ما جرى بالتطبيع البائس والمعيب مع إسرائيل وسياساتها.
ومؤخرا، أعلنت البحرين عن إطلاق مبادرة للحوار بين الأديان بأميركا، عبر مركزها الرامي «للحوار بين الأديان والتعايش السلمي»، وذلك بالتعاون «مركز سيمون وايزنتال الصهيوني» الهادف للدفاع عن الكيان الإسرائيلي، وإعادة بناء وعي عالمي نحو اليهود.
وأعلن ممثل الملك البحريني للأعمال الخيرية وشؤون الشباب ناصر بن حمد آل خليفة عن المشروع، بولاية كاليفورنيا الأميركية، برفقة عميد ومؤسس المركز الحاخام مارفن هاير.
ويعتبر المركز الذي يملك مكاتب له بالقدس المحتلة، من أبرز المعارضين لإجراءات الحكومات والمنظمات الدولية ضد إسرائيل، بالإضافة إلى أنه يهاجم الشخصيات الأجنبية المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني ويعمل أيضا على محاربة حركة المقاطعة للكيان الإسرائيلي «BDS»، ويتبنى تشويه سمعة ممثلي الشعب الفلسطيني من مختلف الفصائل واتهامهم بمعاداة السامية.
ويعد المركز أحد أذرع الاحتلال و«الصهيونية العالمية»؛ لتشويه التاريخ، حيث يستثمر مبالغ خيالية لبناء وإدارة المتاحف حول العالم وتقديم العروض المتطورة كالأفلام الوثائقية والعروض السينمائية والمسرحية.
وتكمن خطورة هذا الأمر في أن هذه المواد تدخل إلى كل منزل حول العالم من خلال شبكة قنوات وفضائيات تابعة لها أو تتعاون معها في دول العالم قاطبة.
نعي بيريز
في سبتمبر 2016، أثار وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة ردود فعل مستهجنة بعدما كتب تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» معزيا فيها بوفاة رئيس الكيان الإسرائيلي شمعون بيريز.
وقال خالد بن أحمد آل خليفة في تغريدته: «ارقد بسلام أيها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلام لا يزال صعب المنال في الشرق الأوسط». وأثارت تغريدة خليفة التي كتبها باللغة الإنجليزية ردود فعل غاضبة، منها: «الدبلوماسية لا تعني الوقاحة، وهناك طرق أخرى للتزلف ليس من بينها نعي مجرم صهيوني متزلف». كما شاركت البحرين في مراسم جنازة بيريز، الأمر الذي لاقى إدانات عربية وفلسطينية.
دعوة لزيارة إسرائيل
آخر شطحات المنامة في مسلسل التطبيع مع الكيان تمثل فيما كشفه الباحث اليهودي إفراهام كوفر عن أن ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ندد بالمقاطعة العربية لإسرائيل ووعد بالسماح لرعاياه بزيارتها.
ونقل موقع (NRG) العبري التابع لمؤسسة «معاريف» الإعلامية عن كوفر الذي يرأس مركز شمعون فيزنتال في لوس أنجلوس الأميركية، قوله: «إن لقاء جمعه مع ملك البحرين في المنامة خلال العام الجاري، ندد خلاله الشيخ حمد بمقاطعة إسرائيل من قبل الدول العربية وأنه سيعمل من أجل السماح لرعايا بلاده لزيارتها».
وأشار كوفر إلى أنه بحث مع ملك البحرين إمكانية إقامة متحف للتسامح بين الأديان في المنامة وقد أبدى موقفا إيجابيا، واصفا زيارته إلى البحرين بالمهمة.
copy short url   نسخ
23/09/2017
2030