+ A
A -
الخرطوم- الوطن - محمد أمين يس
سبعة اشهر قضاها المواطن السوداني علاء الدين دفع الله المعروف باسم (الدفينة) متنقلاً بين أربعة سجون بالسعودية دون تهمة، وكل جريرته أنه من الناشطين الذين يعبرون عن آرئهم السياسية في شؤون بلده على صفحته الشخصية في (الفيس بوك)، تم إبعاده وثلاثة آخرين من السعودية.. خروج دون عودة ودون حقوق.
ورفضت السلطات السعودية الاستجابة لمطالبات ومناشدات المنظمات الحقوقية الدولية بعدم ترحيل الدفينة واثنين من الناشطين السودانيين إلى السودان، واعتبرت منظمة العفو الدولية الناشطين سجناء رأي لمجرد ممارستهم لحقهم في التعبير، كما رفضت مناشدة زوجة الدفينة وأسرته لمعرفة اين يحتجز.
لايزال الدفينة يتذكر كيف باغته رجال الأمن السعودي (الملثمون) على متن خمس سيارات بعد اتصال هاتفي للقائه بالقرب من سكنه لتسليمه بريدا باليد، يقول الدفينة للوهلة الأولى ظننت أن هؤلاء (الملثمين) الذين لا يظهر منهم سوى أعينهم (دواعش)، وحسب معرفتي للقوانين والإجراءات المعمول بها في السعودية فإن توقيف أي شخص أو تفتيشه لابد وأن يتم بإشراف الشرطة وهذا ما لم يحدث. ويضيف الدفينة «اقتادوني إلى شقتي وقاموا بتفتيشها تفتيشا دقيقا، دون إبراز أمر توقيف أو تفتيش».
يقول الدفينة في افاداته لــ«الوطن» إنه لاحظ حرص رجال الأمن السعودي أثناء تفتيش شقته على التصوير والتوثيق وكان الهدف إعلاميا واضحا، وقبل تسليمه للشرطة تم تكبيل يديه ورجليه ووضع (غمة) سوداء على وجهه، واقتادوه بإحدى السيارات الأميركية الفارهة إلى سجن (ذهبان) للمعتقلين السياسيين بمدينة جدة.
ويواصل قائلاً: بعد وصولنا إلى السجن تم إجراء التحريات الأولية معي وخضعت لفحص طبي وأخذ عينات من الدم، ومن ثم أخبروني انهم من الأمن السعودي (قوات العمليات الخاصة) وانه غير موقوف بتهمة من السعودية، وانما هنالك بلاغ في مواجهته من الحكومة السودانية تتهمه بنشاطه الفاعل عبر المواقع الاسفيرية في دعوة العصيان المدني الذي حدث في السودان العام الماضي.
معاناة آلاف المعتقلين بـ(ذهبان)
قضى الدفينة (79) يوما في الحبس الانفرادي في سجن (ذهبان) ليخرج ويجد نفسه بين آلاف المعتقلين من جنسيات عربية مختلفة ومعاناة لا توصف جراء الضغوط النفسية التي يعيشونها في سجن لا تتوفر فيه أية معلومات لذويهم عن مكان تواجدهم، حيث لا يسمح لهم بالاتصال باهلهم، ويقول الدفينة كثير ممن التقيتهم وتحدثت اليهم موقوفين بشبهات الانتماء والصلات بالجماعات الإرهابية دون أن توجه لهم تهم، ومنهم من قضوا سنوات طويلة داخل السجن، ويضيف تعرفت على (5) سوريين تعرضوا لتعذيب قاس داخل السجن، أحدهم كنا نساعده على استخراج الأسلاك من ظهره.
ويواصل الدفينة قائلا: «داخل السجون السعودية ليس هنالك أي حديث عن حقوق الإنسان»، ويعيش الموقوفون بشبهات أو المتهمون تحت ضغوط نفسية رهيبة وقاسية وكثيرا ما تسمع صراخهم ليلاً، ويتعرض بعضهم لانهيارات عصبية يضطر إلى اعطائهم أدوية الأمراض النفسية والعصبية يتناولونها بانتظام طيلة فترة وجودهم بالسجن، ومن كثرة تعاطيهم لهذه الأدوية يصابون بما يشبه (الإدمان)، ويمنع منعا باتا على الأطباء الحديث مع المرضى أثناء إجراءات الكشف الطبي أو الاستماع إلى شكواهم والاعراض التي تنتابهم، ويضيف الدفينة كما يوجد داخل هذه السجون الكثير من النساء المعتقلات مع أطفالهن.
التحقيق والتحري
يقول الدفينة: في التحقيق كانت معظم الأسئلة تركز حول السودان وقليل منها عن العالم الإسلامي، ويسألونك عن الدول التي زرتها قبل الدخول إلى السعودية.. بحثوا في تلفوني واختاروا ستة أشخاص من جنسيات مختلفة اربعة منهم سعوديون ويمني وسوداني، وسألوني عنهم وعن التزامهم، ولمست من خلال حديثهم مخاوف حقيقية من المعتقلين، يحاولون أن يربطوا ويصوروا كل الناس وكأنهم إرهابيون و«دواعش»، وكان واضحا أن كل الاسئلة تأتي من وزارة الداخلية، وداخل السجن التقيت بسوداني من أصل عراقي (ع، ش) متهم بأنه ينتمي لتنظيم القاعدة، وسودانيون آخرين ولدوا وعاشوا في السعودية مشتبه فيهم بعلاقتهم بتنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وايضا التقيت شابا سوري الجنسية كان متهما بانتمائه لــ«داعش».
يقول الدفينة «الرقابة داخل السجن كانت مشددة، الكاميرات في كل مكان، حتى داخل الزنازين، وعندما سألناهم عن ضرورة الكاميرات في الزنازين قالوا إنها للسلامة الشخصية خوفا من أن يقدم بعض المعتقلين على الانتحار».
السلطات السعودية تترصد الناشطين
يقول الدفينة «بدا واضحا لنا من خلال توقيف العديد من السودانيين وغيرهم، ان السلطات السعودية تقوم برصد ومتابعة (الناشطين) في كل المواقع الإسفيرية، بالتركيز على (تويتر) والفيس بوك، وتم استكتابي إقرارا «أنا علاء الدين الدفينة المقيم بالسعودية بأنني خلال فترة تواجدي بالسعودية قد دعوت إلى العصيان المدني عبر صفحتي الشخصية على الفيس بوك دون علم السلطات السعودية»، ويضيف أصر رجال الأمن السعودي على اعطائهم (كلمة السر) لحسابي على الفيس بوك، وظلت صفحتي مفتوحة طيلة السبعة اشهر فترة اعتقالي، اطلعوا فيها على كل اسراري الخاصة، وهذا يمثل أقصى انتهاك للخصوصية والحقوق الشخصية للمعتقل، وحتى عندما تم إبعادي لم يرجع الأمن السعودي جوالي الشخصي.
ضياع شقاء العمر والمستقبل
أجبر الدفينة على التخلي عن حقوق عشر سنوات عمل في السعودية كان يعمل مستشارا للمجموعة العربية للتنمية البشرية حتى لا يتطاول أمد احتجازه لسنوات، ويقول الدفينة «تنازلت مكرها ومجبرا عن كل حقوقي لدى الشركة، كنت خائفا ألا يطلق سراحي أبدا، خاصة بعد أن التقيت بأشخاص قضوا سنوات طويلة في السجون السعودية»، ويضيف «كما لم يتم ايضا تعويضنا عن مدة الاحتجاز الطويلة، واعلم ان كل يوم يمر على أي شخص موقوف يعمل في السعودية دون أن يتهم يحق أن يتم تعويضه تعويضا مجزيا عن فترة الاعتقال، وأبعدت من السعودية وفي جيبي (183) ريالا سعوديا فقط».
تنقل الدفينة بين اربعة سجون في السعودية مكة وجدة وعسير والرياض، وتم ترحيله بطائرة خاصة للأمن السوداني، دون جواز سفر، وتمت إجراءات ترحيله بوثيقة سفر اضطرارية، وأبدى الدفينة استغرابه لعدم مطالبة مسؤولي السفارة السودانية، للسلطات السعودية باسترجاع جواز سفره، ودام اعتقاله بالسجون السودانية (45) يوما دون توجيه أية تهمة له.
copy short url   نسخ
19/09/2017
1381