+ A
A -
للسُّلْطَة سَطْوَة وجَبَرُوت.. وللسُّلْطَة أحيانا أَذْيال (أَذْنَاب) لا يختلف وَقْعُها عن وَقْع «النَّبُّوت» (الهراوة أو العصا الغليظة) كما شاع في تاريخ «الحرافيش» وزمن «الفتوَّات» و«الإتاوات» على امتداد مُنْعَرَجَات الدراما المصرية اتجاهات ومسارات..
غير أننا، في الآونة الأخيرة، وَجَدْنا على مسرح الواقع العربي عَرْضاً رَدِيئا تَمَرَّدَ على مسافة الدراما الْمُدَبْلَجَة كما عَرفناها حتى زَهدْنا فيها، لكنه عَرْض يُبَيِّن إلى أيّ مدى انهارَتْ سُلْطَة المثقف قُبَالَةَ إغراءات ثقافة السُّلْطَة..
وقفة ثالثة عند الكاتب محمد المري تُسَيِّجُها حدودُ الثقافة، الثقافة التي وجدناه مُؤَخَّرا ضَيْفاً خفيفا عليها، هو الهارِب من صَدَى الملاعِب، حيث ظَلَّتْ تُلاحِقه الساحِرة المستديرة، قبل أن يَتَفَرَّغَ لكُرَة السياسة باعتبارها تَوَجُّهاً، وخَطَّ تحرير، عليه تَسير صحيفةُ الوطن التي ثَمَّنَتْهُ وثَمَّنَها مُضْطَلِعاً برئاسة تحريرها..
في آخر مقالين موقعين بقلم محمد المري يَضرب لنا الكاتب مَوعدا مع الثقافة:
- أزمة فكر، واقع الثقافة في المشهد الخليجي الراهن (الوطن، 12 أغسطس 2017).
- «الرضا بـالأقدار» (الوطن، 13 أغسطس 2017).
فُصول من كِتاب التَّمَرُّد والثورة على رسالة المثقف يَكتبها المري بِحِبْر الأَسَف وهُوَ يُبْصِر بحكمة العارِف بأحوال المتقلبين في الرأي أَثَرَ العاصفة التي اجتاحتْ مملكةَ الفكر لما استبدّ عَدد من رجالها بالحقيقة مُشَوِّهين وجهَها الْمُضيء الذي لا تَلِيقُ به صِبْغَةُ الظلام..
هناك تحت أشعة شمس الحسرة اللاهبة يُرَتِّبُ المري الحقيقةَ الغائبة، ويُغربل حصادَ المثقفين الذين عاين سقوطَهم المروع، على حدّ وصفه، مستغربا كيف تَكْفَهِرُّ سماءُ «أسماء كنا ننظر إليها بشيء من الاهتمام قبل أن تنسلخ من أبسط قواعد الحوار وأدنى درجات الاحترام، فانجرفت خلف أخبار ملفقة دون أن تتحرى المصداقية وبنت عليها آراء مزرية دون أن تسمع الطرف الآخر فسقطت معها الموضوعية!» (محمد المري، أزمة فكر).
التاريخ الْمُشْرِقُ للمثقف يَرحَلُ ضوؤُه ويتبخرُ ماؤُه، وانظروا كيف كانت سماؤه بِناءً على حِرص المري على الإشادة بالدور التنويري لِرَجُل الثقافة:
«على مَرّ التاريخ لَعب المثقفون دوراً تنويرياً ساهم في تدفق المعلومة الصحيحة المقرونة بالرأي السديد المتجرد من المصالح الفئوية والأطر الضيقة» (المري، أزمة فكر).
ويُضيف الكاتب في الصدد نفسه:
«المثقّف.. سخّر الكثير من أيامه ولياليه للقراءة وقضى جل عمره وذروة شبابه محاطاً بجيش من الكتب والروايات وقصص التاريخ للتزود بالمعلومات والحقائق لكي يستفيد من عصارتها في المواقف الحرجة التي تواجهه وكذلك مجتمعه بما يقتضيه المنطق والضمير دون تضليل أو تحوير أو تدليس وتزوير! وقد لعب المثقفون في عصور مضت دوراً كبيراً في واقع الناس ودنياهم، وكان لهم حضور ريادي في إصلاح الواقع» (المري، أزمة فكر). كثيرا ما تَكون مشكلة المثقفين هي نفسها مشكلة رجال الدين والفنانين حين يَمِيلون إلى حيث تَميل السلطة وتَجري رياحُهم بما تشتهي سُفُنُها.. كلمةُ الحَقّ تُقْبَر، ومِنديل المبادئ يُطْوَى، وغابةُ القِيَم تَحْتَرِق، ومِرْآةُ الصِّدق تَنْكَسِر..
في ظل التحولات الراهنة تَغدو الحياةُ سوقا، فإذا بكل ما حولك يُشترى ويُباع، فكيف لكَ ألاَّ تُصَدِّقَ أن الإنسانَ نَفْسَه يَسمح لنفسه بأن يُشترى ويُباع بعد أن يَنشر ضميرَه المبلل بمحاولات التضليل على حبل الغسيل كما يُنشر اللحم الْمُمَلَّح لِيَجِفّ أكثر فأكثر.. وإذا بالمضغة الشقية المسماة قَلْبك تُرَتِّب لها مكانا في الثلاجة حتى تلجمَ ثورةَ لسانه كما تُلجم ثوراتُ أهل المنفى..
عندما تَجِدُ نفسك مثقفا حقيقيا لا يُباعُ ولا يَبيعُ الوهمَ، فإنكَ ستَعرف يقينا أنك مهما خَسرتَ ستَربح، تَربح نَفْسَك أولا، وتَربح ثِقةَ الآخَر بكَ.
لهذا لا تَخشَ أن تَدفعَ بعضَ الثمن مقابل ألاَّ تَخسر نفسَكَ. عن أي ثمن أو أي ضريبة نَتحدث؟! يُجيبنا المري وهو يَتَصَفَّح أوراقَ المثقفين قائلا عنهم:
«كان لهم حضور ريادي في إصلاح الواقع، لكن ذلك لم يَكُنْ دون ثمن فَقَدْ عانوا كثيراً من شرور الجاهلين والحكام المستبدين» (المري، أزمة فكر).
فما حقيقة شَرّ الجاهل هذا؟!
إنها لن تَخْرُجَ عن السَّوْط الذي سيُخْرِسُ الصَّوت. والنتيجة؟! النتيجة اثنتان لا ثالث لهما: إما أن تَسكتَ شهرزاد عن الكلام الْمُباح قبل أن تُدرِكَ الصباح، وإما أن يُصبح المثقف ذَيْلاً..
أَنُصَدِّقُ أن يَتحولَ المثقفُ إلى ذيلِ السلطة جَلاَّدِ الحَقّ؟!
لِمَ لا إذا سلَّمنا بأن بعضَ المجتمعات التي تَطفو فوقها هذه الثقافة مازالت سجينةَ الرأي الواحد الْمُكَبِّل للألسنة والمتصرِّف في تقرير المصير، بينما «تنمو الثقافة وتزدهر في المجتمعات التي تنتصر لحرية الرأي والتعبير» (المري، أزمة فكر)..
ذَيْلُ السلطة هذا سيَكون بمثابة دَرْس في الانحدار، الانحدار بالأخلاق والنِّية في معالجة القضية..
حين يتنازل المثقف عن القضية ويتحول إلى ذَيْل للسلطة فإنه يَجْلِدُ ظَهْرَ الحَقّ.. وهنا تَتضاءلُ قيمةُ المثقف وتَتَفاقَمُ إشكاليةُ علاقته بالواقع وبالسلطة.. وكلما تحقق هذا، غابَ مفهوم المثقف بوصفه «ذلك الإنسان القادر على التأثير في محيطه والدفاع عن قضايا الحق والعدل» (المري، أزمة فكر).
ماذا يَحدث بين رحيل وبقاء رجُل الفكر الْمُتَمَرِّد على القضية؟!
سينهار الاعتبار بمجرد فِرار رجُل الفكر من صرخة الحَقّ.. وهنا سيصبح المثقف مُعادِلاً للمقَصّ الذي ستَكون وظيفته قطع «حبل المودة والمراوغة» (المري، أزمة فكر).
أعظم المواقِف تَتَّخِذُها حين تَكون خِرِّيجَ مَدْرَسَة الحُبّ.. تُحِبّ نفسَكَ وتُحِبّ الآخَرَ (لأن واجبَك الديني يُلْزِمُكَ أن تُحِبَّ الخيرَ لأخيكَ كما تُحِبّ لنفسكَ) وتُحِبّ اللهَ سَيِّدَ «كُنْ فَيَكون»..
الأنانيةُ وحُبُّ النفس يَسْتَدْرِجانِك إلى مستنقع السقوط الذي لا يُشَرِّفُ تاريخَكَ أن تَنْغَمِسَ في أَوْحَالِه.. ولا غرابة أن تَغرق سفينةُ صحراء الثقافة في هذه الأوحال بعد أن أثبتَ المشهد الثقافي الأخير كيف «خذل معظم رجاله مجموعة المبادئ الإنسانية والقيم التنويرية التي تعلموها وراهنوا عليها وملؤوا الفضاء ضجيجاً بالمطالبة بها أو الدفاع عنها، وانحازوا للأفكار القمعية والسلطوية مجاراة لأصحاب القرار» (المري، أزمة فكر).
بل أكثر من هذا يسجل المري على هؤلاء تذبذب مواقفهم واضطرابها إلى درجة أن «يقبل بعضهم أن يكون بؤراً معتمة عبر تبني مواقف تتناقض جذرياً مع الحق والإنصاف، مفضلاً العيش الرغيد تحت جناح السلطة!» (المري، أزمة فكر).
المثقفُ شاهد على العصر، كلمتُه شهادةُ حَقّ، فكيف لنا أن نتصور أن يَكون صاحِبُنا هذا شاهدا شهادة الزور؟! هذا ما يَنفيه صاحِب هذه السطور:
«كان للمثقفين دور بارز في تغيير الواقع مهما عظم أمره ووقفوا في وجه العديد من القرارات والمشاريع الخاطئة، احتراما لطبيعة دورهم كمصابيح نور، لمساعدة مجتمعاتهم نحو التحرر والعدالة والتطور» (المري، «الرضا بـالأقدار»).
مِن المؤكد أن يَرقّ قلبُ كُلّ قلب مازالَتْ صومعتُه مُضِيئَةً عند قراءة (وإعادة قراءة) مقال «الرضا بـالأقدار» لكاتِب تَصَوَّرْنا أنه بَعيد عن هموم رَجُل الثقافة، فإذا به يُفاجئنا مجددا بمصافحتِه لِكَفّ الثقافة حالِفا ألاَّ يَسمحَ لِمُراهِقِيها باجترار ما تَضيقُ به صُدور مَن لا يُرَحِّبون بحوار الثرثار مُحِبّ الاختصار..
أقدار مكتوبة! هكذا يُسميها المري في معرض استحضار لحظات إشراق وأنوار لِرَجُل من رِجال الفن الذين آثروا أن يُعَطِّرُوا سِيَرَهم بطِيب العمل: «في النهاية لن تبقى إلا ذكرى السيرة والمسيرة، ومن أجاد ستتحدث عنه سمعته ومن عاث فسادا فلن يرحمه التاريخ ولا أجيال المستقبل» (المري، «الرضا بـالأقدار»).
يتوقف المري عند محطات مشرقة من حياة فنان فَعَلَ صَواباً فَعَلاَ وشمخَ. إنه السامي المكانة الذي يَعرفه انطلاقا من مُنْجَزِه الفني: عبدالحسين عبدالرضا. وهذه شهادة المري الموجوع برحيله:
«رحل أحد أركان المشهد الثقافي والذي خصص فنّه لمعالجة المشاكل الاجتماعية وطرح القضايا الهادفة مع التزامه التام بالعمل على كل ما يقرّب ولا يفرّق، ونشر معاني الحب والوئام والسلام ونبذ التعصب والكراهية، ولم يذكر أنه أقحم نفسه في القضايا الخلافية سواء السياسية أو غيرها، ولم ينحدر لمستنقع الفتنة الذي يعيش فيه عدد من المحسوبين على الثقافة والفنون» (المري، «الرضا بـالأقدار»).
هكذا بإصرار يُثَمِّنُ المري الكِبار الذين يَحملون هَمّ القضية على اختلاف مشاربهم، ولا مجال (والحال هذه) للتمييز بين الفنانين والمثقفين ورجال الدين والمفكرين.. الهاجِسُ واحد، والنتيجةُ يَجِبُ أن تَكون واحدة.
لكن لِنَنْظُر إلى الرسالة التي ضَمَّنَها المري وجهةَ نظره السليمة لَمَّا سَطَّرَ على الوازِع الأخلاقي الذي يَرْقَى بالمثقف إلى مدارج السُّمُوّ التي تُعفيه من أن يَنزلق مفتونا أو أن تَستدرجَه المصلحةُ إلى طمس معالِم تاريخ لا يُشَرٍّفُه ألاَّ يَكونَ مُشَرِّفاً مع بداية النهاية التي يَدفعه إليها تَأجيجُه للخِلاف بدل الدعوة إلى الالتفاف..
حديث المري عن تاريخِ فَنانٍ (يَعْني له الكثيرَ) فيه ما يُرَبِّي النفسَ على الإتقان، والتفاني، والوفاء.. وفي رِقَّة كلمات المري مُؤَاسِيا مَن فَقَدوا صِلَةَ هذا الفنان (مُتابعةً) ما يُؤَكِّد لنا إلى أيّ درجة يَرفعكَ الوفاء في العيون..
إنه وفاء عبدالحسين عبدالرضا لِفَنِّه، ووفاء المري لتاريخِ إنسان أَتْقَنَ عَمَلَه دون زَلَّةِ قلبٍ يُتَرْجِمُها اللسان..
«إن الله يُحِبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يُتْقِنَه».. هذه رسالة إلى المثقف، بذلك يَجدر به أن يَكون حَذِراً اتقاءً لِسُوء الخاتمة، لاسيما وأن غالبية المثقفين، كما يرى المري بعين اليقين، «اختارت الالتحاق بصناع القرار، وتبني مواقفهم، وترديد طروحاتهم، فظهروا بأداء سطحي طافح.. ليعبروا عن مراهقة في خريف العمر لا تخلو من التملق والتسلق بحثاً عن مكاسب شخصية ومكافأة نهاية الخدمة!» (المري، أزمة فكر).
العَمَل الصالح يُخَلِّد ذِكْرَ صاحِبِه بمواقفه النبيلة وليس بشيطنته.. وإلاَّ ما معنى أن يَدعو هذا أو ذاك إلى «النصح بعدم التعرض للرموز ويطالب بالتهدئة.. بينما كل قيمه الإنسانية وضميره الأخلاقي كان في إجازة» (المري، أزمة فكر)؟!
النُّبْلُ عُملة نادرة في زمننا في ظل خِطاب المصلحة التي لَن يَراك فيها الآخَرُ أكثر مِن حَطَب لن يَتوانى عن أن يَبلغ به مَبْلَغَ الاحتراق رَغْبَةً في تدفئة نفسه دون أدنى اعتبار لحَرْقِه للآخَرين..
وبِمَنْ سوف تستعين في ظل تَعَذُّر فَهْم العقيدة والدين؟! هذا هو السؤال الذي يَطرحه المري بطريقة غير مباشرة مُؤاخِذاً مَن يهمهم الأمر على أنهم «سيسّوا كل شيء وتحولوا لبؤر فتن وإفساد للتحريض بين الدول والشعوب في سابقة تاريخية تشكل وصمة عار» (المري، «الرضا بـالأقدار»).
بِرَبِّكَ، كيف يُصَوِّرُ لكَ عقلكَ أن مِن الحكمة أن تَحْذُوَ هذا الحَذْوَ وكأنكَ تَنسى أن اللهَ حَيّ لا يَموتُ وأنتَ تَموتُ؟!
مَن يَصْنع صَنِيعاً كهذا ليس يَنْسى، إنما هو يَتَنَاسى.. فإذا دَقَّتْ ساعةُ الصِّفر تَراه لا يَدري كيف يَحلّ عقدةَ لسانِه ليَتَوَسَّلَ اللهَ أن يُمْهِلَه القليلَ من الوقت، لماذا؟ لِيُعيدَ تَرتيبَ دفاتر حياته قبل أن تَرْفَعَها ملائكةُ الرحمان، بما سُجِّلَ فيها مِن فائض سيئات، وشيءٍ (إن كان يُذْكَرُ) مِن حسناتٍ يَأْكُلُها الإفلاسُ في ضَوء تَمَدُّد نَزَقِ النَّفْس الأَمَّارة بالسُّوء..
على امتداد الزمن كان رجُلُ الثقافة يُسَجِّلُ مَواقفَه المجيدة بِحِبْرِ الاعتراف بالحقيقة، الاعتراف بما يُغَلِّفُه من شفافية ومصداقية بعيدا عن اقتناص الفُرَص للظهور بمَظْهَر الواعظ الذي يَصول ويَجول مَزْهُوا بريش الكلمة والصوت، بينما تَجده يَكتم أنفاس الحَقيقة حدّ الحُكْم عليها بالموت:
«كثيرون أثّروا في هذا العالم بمواقفهم ومبادئهم وتأثيرهم في حياة الناس، وقدموا رسالة محترمة بقيت خالدة في مجتمعاتهم لأنها كانت صادقة قبل كل شيء ثم مقنعة ومفعمة وملهمة، وبالتالي وجدت طريقها المثالي للانطلاق بقوة الحق. وليس كما يحدث في مشهدنا الثقافي الخليجي والعربي وما يتبعه من إعلام مضلل وفن هابط باستثناء قلة معروفين ومشهورين ومعدودين على الأصابع» («الرضا بـالأقدار»).
الفقيد عبدالحسين عبدالرضا واحد ممن لم يَكفروا بدين الاعتراف هو الرجُل الخَدُوم. ومِن فرط إحساس المري بهذا الفنان المخلِص لفنه وجمهوره وجدناه (المري) يَشعر بما يَشعر به الْمُحِبُّون في رحلة الانعتاق من قَيْد اللحظة بما تُمْلِيه من إكراهات.. الحُبّ كنز، وتَأَكَّدْ أنكَ لن تُحِبّ إلا وفيا مخلصا خالِدَ الذِّكر بِطِيبِ جَنْيِه وحَصَادِه كإنسان وفنان..
مرة أخرى يُعَلِّمُكَ المري أن الحُبَّ مَدْرَسة.. والاعتراف بثقلِ الفَقْد لِمَنْ يَستحق يَرفع كَفَّةَ كلماتِكَ في ميزان التأثير..
الحُبُّ مَدْرَسة، مِنها يَتَخَرَّجُ الواحدُ منا إنسانا رقيقا يَزِنُ الكلمة بميزان الحكمة.. لذلك تَرى كلمات المري الْمُحِبّ لسيرة ومسار فنان نبيل تُهَرْوِل آسِرَةً وَضَّاءَةً في طريقها إلى قلوب الآخَرين وهي باحترامٍ وثِقَةٍ تَفتح الأبوابَ.. نُور اللِّسان ما يَنْقصكَ يا إنسان، قبل أن يَأتي يَوْم تَبتلِعُ فيه لسانَك وتَعْمَى، وأمامَكَ القَلَمُ الذي تُصَحِّحُ به شَرَّ أعمالكَ عليه يُغْمَى.. سؤال وجيه نُذَكِّرُ به من باب التنبيه:
متى يَكون المثقف سيفا بتارا يَثْأَرُ للحَقّ، ومتى يَكون ذَيْلاً للسلطة؟!
خَشْيَةَ أن يَسقط المثقف من العيون يَنبغي له أن يُدافع بِحَقّ عن قضية تَستحق. أما في غير هذه الحال، فلَيْته يَصمت دون أن يَكون في حاجة إلى محاولة استعراضه لعضلاته الثقافية التي ستُصاب حَتْماً بالهشاشة إذا كان صَوْتُ المثقف سينحاز إلى صوت السلطة التي يَتخذها سَقْفاً ومظَلَّة..
على سبيل الختام نُوجِزُ رُؤوسَ أقلام ما كتبه المري: مُخْجِل أن يَمسحَ المثقفُ تاريخا من الحُضور بزَلَّةِ حِصان.. إنه حِصان القَلَم الذي يَصهل صَهيلا لا معنى له في زمن الانبطاح كما يَصهل الجيبُ تماما دون اعتبار لضريبة الامتلاء التي يَدْفَعُها بالانحناء لمن يَدفع أكثر.. فما أمرّ أن يتحول المثقفون إلى «أبواق للأنظمة بطرح ضعيف في الرأي والمعلومة.. وكلهم ظهروا متلونين في مواقفهم ومستفزين بآرائهم لأنها ابتعدت عن عقولهم واقتربت أكثر من جيوبهم..!» (المري، أزمة فكر).
copy short url   نسخ
19/08/2017
2207