+ A
A -
الخرطوم - الوطن- محمد أمين يس
مازالت أزمة المصطلح في أزمة الخليج، تلقي بظلالها على مسار الأحداث الجارية، بحيث أصبحت كلمات مثل تمويل الإرهاب والحصار والمقاطعة الأكثر حضورا في إعلام دول الحصار، ولعل التداول الكثيف لمصطلح الإرهاب في الأزمة أثار الكثير من الجدل حول ما وراء الاتهامات لقطر بدعم وتمويل الإرهاب، في وقت لايزال الجدل قائما حول ماهية (الإرهاب)، ويكاد يتفق الجميع دولا وباحثين وخبراء على أنه لا يوجد تعريف محدد وشامل للمصطلح، بخلاف التعريف العام الذي يندرج في المفاهيم العامة، وهو أن الإرهاب هو العدوان الذي يرتكبه الأفراد وبعض الجماعات ويؤدي إلى موت الأبرياء والإضرار بالمصالح الخاصة والعامة للدول، ولاتزال هنالك ضرورة ملحة وسعي حثيث لإيجاد مفاهيم وتشريعات دولية لتعريف (الإرهاب) دون لبس وضبابية.
ويقول خبراء وباحثون مهتمون بالظاهرة: إن الاختلاف حول تعريف الإرهاب، أصبح مسوغا للدول والجماعات تطلقه في وجه الآخرين وفقا لمصالحها الخاصة، دون أسانيد أو حيثيات، وحتى الآن لا يوجد تعريف له على مستوى الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، كما يرى البعض أن محاولة ربط الإرهاب بالإسلام يعد خطأ كبيرا وتجنيا على الإسلام والمسلمين، وأن كانت هنالك مجموعات تدعي أنها إسلامية وتقدم على أعمال إرهابية، ويتفقون جميعا على أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، بدلالة أن هنالك الكثير من الدول الإسلامية تضررت من الإرهاب وهي جزء رئيسي من التحالف الدولي لمحاربته.
ومن جهة أخرى يرى الخبراء أن أسباب (الإرهاب) متعددة ومتشابكة، من بينها ما برز مؤخرا في أزمة الخليج، وهي دوافع سياسية وأطماع دولية، وإن مآلات هذا السبب سيعمل إلى تقسيم الدول وانهيارها وزعزعة الأمن والسلم الدوليين، إضافة إلى سبب رئيسي وهو محاولة من القوى الكبرى والإقليمية لإلصاق تهمة الإرهاب وممارسته ببعض الدول والجماعات لتحقيق أجندات خاصة في المنطقة العربية والإسلامية.
ويقول د.علي الحاج محمد الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي بالسودان: لا يوجد تعريف متفق عليه دوليا لكلمة الإرهاب، وهو مثل البضاعة أصبح يتم تسويغه مثل البضاعة التي لا منشأ لها، وهي بضاعة رائجة في السوق، وكل شخص يسمي الإرهاب حسب هواه، ما عليه إلا أن يكتب قائمة ويدخل فيها من يشاء ويحذف من يشاء، إلا نفسه. وأضاف أصبحت مشكلة عالمية يتم ربطها بالإسلام والمسلمين، وهذا لا يعني أن كل الدول تربط ما بين الإرهاب والإسلام، وفي اعتقادي أن الإرهاب من أكبر المشاكل التي تواجه العالم ما بعد الحرب الباردة.
ويرى علي الحاج أنه من الضروري أخذ الأشياء بحذر وتدقيق ومعرفة ما يجري قبل إصدار أي حكم، ليس كل الغرب ينبذ شخصا أو يصفه بالإرهابي لأنه مسلم، والعداء الموجود يأتي من حكومات بعض الدول الإسلامية أو التي تدعي ذلك، وأكثرها ضد الإسلام والمسلمين، وليس في موضوع الإرهاب فحسب، وحتى في توزيع ثرواتهم لا يوجد عدل، وهذه من أكبر المآسي التي تحتاج إلى تفكير عميق.
د.محمد المجذوب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية يقول لــ الوطن: إن مفهوم الإرهاب ملتبس، وهو وصف شائع درجت وكالات الاستخبارات العالمية على إطلاقه تجاه مجموعات بعينها، واستخدمت الآلة الإعلامية الغربية الضخمة، لإلصاق تهمة الإرهاب ببعض الجماعات الإسلامية والدول لإيجاد ذرائع للتدخل في العالم العربي والإسلامي وزيادة حدة التوترات المذهبية.
ويرى المجذوب أن بعض القوى الدولية تستخدم الإرهاب فزاعة لتنفيذ أجندة أمنية وسياسية، تحت مسوغات كثيرة من بينها المحافظة على مصالحها في المنطقة، وحماية أمنها من خطر الإرهاب.
ويرى بشير الشريف المحلل السياسي بأن ظاهرة الإرهاب مركبة ولها سياقات مختلفة منه ماهو سياسي وثقافي واقتصادي، ولكنها في المنطقة العربية ترتبط بضعف الوعي الفكري وسيطرة المدارس التقليدية التي تدفع الشباب إلى العنف.. ويضيف: غياب الديمقراطية والاستبداد الذي تمارسه بعض الأنظمة العربية على شعوبها، إضافة إلى السياسات الامبرالية يدفع الكثيرين للتعبير بالعنف تجاه المصالح الغربية في المنطقة، كما أن هنالك بعض الدول الكبرى تمارس الإرهاب بدواعي حماية مصالحها وأمنها القومي.
ويقول الشريف: من مخاطر الإرهاب أنه يؤدي إلى انهيار الدول وتفكيك المجتمعات مثل ما يحدث في بعض البلدان العربية الآن، ويرى أن الحرب الحقيقية على ما يسمى بالإرهاب الذي يرتبط ببعض الجماعات الإسلامية، محاربة الحواضن الثقافية والفكرية للإرهاب في بعض الدول المعروفة في المنطقة والتي تفرخ الجماعات العنيفة.
من جهته يقول اللواء حسب الله عمر رئيس المخابرات الخارجية السوداني الأسبق: إن الإرهاب قضية سياسية بالدرجة الأولى، وليس قضية دينية، لا إسلامية ولا غير إسلامية، والإرهاب الذي نعايشه الآن تعبير عن الحالة التي يفرضها النظام الدولي الحالي، والإرهاب في التاريخ البعيد والقريب وسيلة عمل سياسي.
وتذهب د.وفاء مبارك عباس الباحثة في ظاهرة التطرف، أن الإشكالية التي تواجه المنطقة في ما يتعلق بتنامي ظاهرة الإرهاب، أن الدول التي تعتمد في شرعيتها على الخطاب الديني، تستخدمه لتبرير أفعالها والتحريض ضد الآخرين في آن واحد.. وأضافت: خطورة هذا الأمر هو تأجيج مشاعر العامة من الناس واستغفالهم، وتشير إلى أن بعض المؤسسات الدينية في الدول العربية لا تدرك خطورة الطرح الحاد للحركات الدينية المتطرفة ولا ترى في ذلك خطورة بل وأحياناً تقدم لها مساعدات لوجستية لنشر خطبها المتعصبة.
وتقول مبارك إن الإرهاب يهدد المجتمعات العربية والإسلامية أكثر من تهديده للمصالح الأميركية والأوروبية، وقد سعت هذه الحركات المتطرفة إلى زعزعة الأمن والاستقرار في الكثير من الدول العربية، بهدف القضاء على أنظمتها، ولا خيار أمام حكومات وقيادات هذه الدول العربية والإسلامية إلا محاربة ومواجهة الحركات المتطرفة لاحتوائها والقضاء عليها، وإصلاح الأوضاع السياسية القابضة التي تهييء لنمو الفكر المتطرف، وإشاعة الديمقراطية والحوار، بالإضافة إلى العمل على عدم التدخل الأجنبي لدعم الحركات المتطرفة في الدول العربية والإسلامية.
بينما ترى الأستاذة تسنيم عبدالوهاب محمد في ورقتها العلمية عن (أسباب نشوء الحركات المتطرفة في البلاد العربية)، أن الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية التي تدعو إلى تحالف دولي لمكافحة الإرهاب، لا ترمي للقضاء على الإرهاب، بل لاستثماره لتحقيق أهدافها، وهي متهمة أيضا بدعم التنظيمات المتطرفة للاقتتال وتفتيت الدول واستنزاف مواردها وإضعاف جيوشها.. وتضيف أن مصالح الدول الرأسمالية استمرار الاقتتال بين الشعوب على أساس عرقي وديني وطائفي، فاستمرار الحروب يعني استمرار دوران مصالح مصانع السلاح داخل الدول الكبرى التي تدعم جميع الأطراف المتحاربة لتضمن تدفق السلاح في أيدي الجميع.
وتقول عبدالوهاب: إن السبب الأهم هو خنق المنطقة العربية وتهديد أمنها القومي واستقرارها، وجعل الدول تنشغل بحروب داخلية وخلافات لا معني لها، وتصرف ميزانياتها على التسليح على حساب التنمية الحقيقية لهذه البلدان، وتضيف أن إضعاف دول المنطقة العربية مهم جداً لاستمرار تدفق ثرواتها التعدينية والنفطية إلى الدول الكبرى ولاستمرارها سوقاً كبيرة لمنتجات تلك البلاد.
copy short url   نسخ
30/07/2017
1213